مؤسسة وسيط المملكة

مؤسسة وسيط المملكة
مؤسسة وسيط المملكة

مؤسسة وسيط المملكة

مقدمة:

إن الحديث عن الإدارة والمجتمع أو الإدارة والمواطن، هو حديث عن علاقة تفاعلية متأصلة في التاريخ، علاقة تطورت وتشعبت عبر العصور تبعا للمتغيرات والظروف المستجدة، فالتطور الذي عرفته الدولة الحديثة بتزايد تدخلاتها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة متجاوزة في ذلك دورها التقليدي الذي كان يقتصر على المحافظة على الأمن والنظام العام. ساهم في تعقيد هذه العلاقة إذ كان له تأثير واضح في تدعيم نفوذ الإدارة العامة، باعتبارها الأداة التنفيذية لمخططات وبرامج الدولة التنموية، وذلك بمنحها امتيازات لها طابع السلطة العامة لتسهيل نشاطها وتحقيق المصلحة العامة/

وقد جاء في الخطاب الملكي. لمحمد السادس ”أن البيروقراطية الإدارية تعتبر من أكبر عوائق التنمية” فالإدارة في بعض إجراءاتها المعقدة وسلوكياتها الرتيبة وسوء تدبيرها للمرفق العام، ينضاف إلى ذلك انكماشها على نفسها وعجزها على التواصل مع محيطها والاستماع للانشغالات المتعاملين معها يؤدي إلى تزايد ظواهر سلبية تتمثل على الخصوص في اللامبالاة إزاء مصالح المواطنين وكذلك المستثمرين وسوء إرشادهم الشيء الذي ينتج عنه الشلل في الحركة الاقتصادية بكاملها، وبالتالي التنمية الشاملة التي تستهدفها الدول إلى إحداث مؤسسات متخصصة تقوم بدور الوساطة بين الإدارة العامة ومرتفقيها. من قبيل مؤسسة الأميودسمان بالسويد، الوسيط بفرنسا، والمدافع عن الشعب في إسبانيا ،وفي البرتغال  وفي المغرب تم إحداث مؤسسة وسيط المملكة ، وذلك جاء في إطار استكمال الترسانة المؤسساتية الفاعلة في مجال حماية الحقوق والحريات الأساسية كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، و ذلك ما سنقف عليه  في هذا الموضوع.

المبحث الأول: الإطار العام لمؤسسة الوسيط في المغرب والأنظمة المقارنة

من البديهي أن احترام كرامة المرتفق يقتضي الحرص على تقديم الخدمة في اقرب وقت ممكن وبأبسط الوسائل والمتطلبات وبدون معاناة وبأقل كلفة ولبلوغ هذه الأهداف يوجد بالفعل في صلب رسالة الوساطة المؤسساتية التي تجد جذورها عبر عمق التاريخ والتي أخذت موقعا خاصا في الدولة الحديثة ضمن هياكل البنيان الديمقراطي وأضحت مؤسسة دستورية ذات استقلال تم تحويله لها عن طريق تكريس سيادة القانون واعتماد مبادئ العدل والإنصاف ورفع المظالم وتقويم الاختلالات التي تطبع سير الإدارات والتصدي للتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة بكل مظاهرها من محاباة ومحسوبية أو عدم احترام المساواة أو تكافئ الفرص واستغلال النفوذ إلى غير ذلك.وهي مؤسسة الوسيط التي عرفت تطورا كبيرا سواء في المغرب أم في فرنسا.

المطلب الأول:ماهية مؤسسة الوسيط في المغرب ووسيط الجمهورية في فرنسا

الفقرة الأولى :مؤسسة الوسيط بالمغرب

بتاريخ 17 مارس 2011 تم إحداث مؤسسة الوسيط لتحل محل مؤسسة ديوان المظالم بواسطة ظهير رقم 1.11.25 [1]جاءت هذه المؤسسة لمواكبة الإصلاح المؤسسي الذي يعرفه المغرب للنظر في تظلمات و شكايات المواطنين في مواجهة المرفق العام ، سنحاول أن نقف عند هذه المؤسسة للتعريف بها أكثر .

لقد عرف المغرب باعتباره بلدا إسلاميا على مر التاريخ تطبيقات مختلفة لمؤسسة المظالم حيث اعتبرت الدراسات العربية الإسلامية أن ولاية المظالم هي أصل ما يعرف اليوم بالقضاء الإداري وتعد وزارة الشكايات في عهد ما قبل الحماية ومكتب الأبحاث والإرشادات في عهد الاستقلال أبرز نماذج ولاية المظالم في المغرب وما لبثت أن ظهرت هذه المؤسسة مع بداية القرن 21  تحت اسم ديوان المظالم.

 وقد جاءت مؤسسة وسيط المملكة لتحل محل هذه الأخيرة التي كانت اعتماداتها المالية من ميزانية البلاط الملكي، و قد برزت في إطار ما يعرف بالطرق البديلة لحل النزاعات، وهي وسائل ودية يتم اللجوء إليها لفض الخلافات بدل القضاء، و قد نظم هذه المؤسسة ظهير شريف رقم 25-11-1 بتاريخ 17 ماي 2011 والذي نص في مضامينه على منح الوسيط اختصاصات تهدف إلى تحقيق تنمية إدارية التي تعتبر عملية تدخل هادفة تسعى إلى جعل عملية الإدارة وطرقها ووسائلها تتلاءم مع مرحلة التطور في بلد من البلدان وكذلك جعل عملية الإدارة وطرقها وتقنياتها تتلاءم مع الأهداف التنموية الشاملة (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) والتي يسعى هذا البلد إلى تحقيقها من خلال خططه التنموية.

وتعد مؤسسة الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، تتولى في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية ، و يتمتع الوسيط بصفة مستقلة ومتخصصة بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي، ويتولى الوسيط مهمة الأمر بالصرف للاعتمادات المخصصة له في تنفيذ ميزانية المؤسسة وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها في التنظيم المالي والمحاسبي الخاص بها، فتمتعها  بذمة مالية مستقلة تقوم أساسا على عدم تبعيتها لأي ذمة مالية أخرى، فهذه الأخيرة كلما كانت حرة طليقة كلما كانت أداة قوية للعمل وفق مناهج موضوعية تؤسس للوضوح والشفافية في النزاهة ،[2] -ولنا عودة إلى هذه النقطة في باقي مراحل هذا الموضوع -وذلك على عكس النظام الفرنسي حيث جاء في   المادة 15 من القانون المحدث لمؤسسة وسيط الجمهورية على أن ميزانية الوسيط ملحقة بميزانية الوزير الأول وتتطلب مؤسسة الوسيط إمكانيات مالية يقوم بصرفها الوسيط الإداري بصفته الآمر بالصرف.

الفقرةالثانية:نظام وسيط الجمهورية في فرنسا

كما سبق أن رأينا مع وسيط المملكة المغربية المتمثل في مؤسسة الوسيط سنقف على غرار ذلك مع مؤسسة وسيط الجمهورية الفرنسي médiateur de la République  Le لنعرف أكثر هذه المؤسسة و اختصاصاتها مقارنة مع قرينتها المغربية

استحدثت فرنسا هذه المؤسسة باعتبارها  قانوناً مشابهاً لنظام الامبودسمان السويدي وهو كلمة سويدية يراد بها المفوض أو الممثل  وهو شخص مكلف من البرلمان بمراقبة الإدارة والحكومة وحماية الإفراد وحرياتهم، وبالنظر للنجاح منقطع النظير لهذا النظام فقد أخذت به الكثير من الدول بأنظمة مشابهة له ففي عام 1919 أخذت به فلندا ثم الدنمارك بمقتضى دستورها لعام 1953  ثم نيوزلندا بمقتضى قانون سنة 1962 ومارس العمل فيها عام 1963 ثم أخذت به المملكة المتحدة في قانونها لعام 1967 وأخذت كندا بهذا النظام عام 1967 أيضا ، وقد استحدثت فرنسا أيضا  قانوناً مشابهاً لنظام الامبودسمان السويدي اسمه الوسيط Le médiator لأنه يتوسط بين البرلمان والحكومة أو لأنه وسطاً بين الرقابة البرلمانية والقضائية . وجاء إنشاء هذا النظام نتيجة لمناقشات ودراسات مستفيضة جعلته بصورة خاصة لا تطابق النظم السابقة ، وان كان يتمتع ببعض اختصاصات الامبودسمان [3]. ويعين وسيط الجمهورية لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد بمرسوم من رئيس الجمهورية باقتراح وموافقة مجلس الوزراء ، وهو ما تنص عليه المادة الثانية من قانون رقم 6-73 بتاريخ 3 يناير 1973 ، وهو لا يستطيع ان يمارس مهامه التي حددها القانون إلا بعد حصوله على التدريب اللازم ، ولا يمكن عزل الوسيط من خلال هذه المادة أو إنهاء ممارسة أعمال وظيفته إلا عندنا يتعذر عليه القيام بواجباته الوظيفية ويترك أمر تقرير ذلك إلى لجنة مكونة من نائب رئيس مجلس إدارة الدولة ورئيس محكمة النقض ورئيس ديوان الرقابة المالية ويتخذ القرار وبالإجماع.

ويتمتع الوسيط باستقلال تام فلا يتلقى أي تعليمات من أي سلطة ولا يمكن إلقاء القبض عليه أو ملاحقته أو توقيفه أو حجزه بسبب أعمال وظيفته أو الآراء التي يدلي بها، إلا أن الوسيط الفرنسي لا يتمتع باستقلال مالي كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المحور السابق حيث يبقى تابعا في ذلك للوزير الأول على عكس الوسيط المغربي .

المطلب الثاني: اختصاصات الوسيط في النظام المغربي والمقارن

تتمثل مهمة الوسيط المغربي انطلاقا من مضمون المادة الخامسة من الظهير، وتنص هذه الأخيرة على اختصاص الوسيط باستقبال الشكايات الصادرة عن المواطنين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين وسواء متمتعين بالجنسية أو أجانب ، ويكون الوسيط الإداري ملزما بقبول الشكايات المحالة عليه دون شرط الجنسية بحيث أن رفض البث في شكاية يكون رهينا بما إذا كان موضوعها لا يستدعي الإحالة عليه، إذ يتطلب إتباع بعض إجراءات التسوية لدى الجهة الإدارية المعنية.لكن قبل الحديث عن اختصاصات وسيط المملكة(الفقرة الثانية) فيجب الوقوف على خاصيات المهام المنوطة به للقيام بدور فعال في تخليق الحياة العامة(الفقرة الاولى).

الفقرة الاولى: خاصيات المهام المنوطة بوسيط المملكة في التنمية الادارية

تعتبر التنمية الإدارية عملية  هادفة منظمة تسعى إلى جعل عمليات الإدارة وطرقها ووسائلها تتلاءم مع مرحلة التطور التي يسعى بلد من البلدان  للوصول إليه وكذلك جعل عمليات الإدارة وطرقها وتقنياتها تتواءم مع الأهداف التنموية الشاملة ” الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” التي يسعى هذا البلد إلى تحقيقها من خلال خططه التنموية.
ومن خلال إطلاعنا على الظهير المحدث لمؤسسة وسيط المملكة الإداري بالمغرب، تبين لنا أن أبرز خاصية ينص عليها الاستقلالية ومعناها أن الوسيط الإداري يجب أن يشتغل في ظروف موضوعية وحيادية بعيدا عن أي ضغوطات أو اكراهات من طرف أي جهاز أو هيئة أخرى. الأمر الذي يفرض توفر الوسيط على شروط لتحقيق هذه الخاصية.
وبما أن الإمكانيات المادية هي البناء الأساس داخل مؤسسة وبما أن قوة كل مؤسسة تقاس بكفايتها المالية، فإن مؤسسة الوسيط الإداري لن تتمكن من ممارسة مهامها إذا لم تكن لها وسائلها المادية التي تضمن لها تنفيذ مهامها، بحرية كاملة. هذه المهام التي يجب أن يتفرغ لها الوسيط الإداري أي لا يمكن الجمع بينها وبين مسؤوليات أخرى سواء أكانت منتخبة أو معينة، متمتعا بحماية تؤهله لممارستها دون الخوف من أية عواقب خاصة.
وعليه تكون مظاهر استقلالية الوسيط الإداري، مالية وإدارية.


أولا: الاستقلال المالي لمؤسسة الوسيط الإداري:
تنص المادة 40 من ظهير 1.11.25 المحدث لمأمورية الوسيط أن هذا الأخير يتمتع بصفة مستقلة ومتخصصة بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي، ويتولى الوسيط مهمة الأمر بالصرف للاعتمادات المخصصة له في تنفيذ ميزانية المؤسسة وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها في التنظيم المالي والمحاسبي الخاص بها فأهمية أي مؤسسة تكمن في تحقيق غرض معين وذاك بتمتيعها بذمة مالية مستقلة تقوم أساسا على عدم تبعيتها لأي ذمة مالية أخرى، فهذه الأخيرة كلما كانت حرة طليقة كلما كانت أداة قوية للعمل وفق مناهج موضوعية تؤسس للوضوح والشفافية في النزاهة، والتأكيد على هذه الأهمية فقط ربط النص المغربي بين الأهلية القانوني والاستقلال المالي وجعلها من أهم الخصائص للوسيط الإداري.


فكون ميزانية الوسيط الإداري ملحقة بالميزانية العامة، معناها أنها ضمن ميزانية الدولة ككل أي ليست تابعة لوزارة معينة، هذا من شأنه أن للوسيط استقلاله المالي الذي يؤهله لتسيير شؤونه والقيام بمهامه ويكفل له كمركز هاما ضمن الهرم المؤسساتي للدولة الأمر الذي يعطي لتوصياته قوة معنوية. أما في النظام الفرنسي فإن المادة 15 من القانون المحدث لمؤسسة الوسيط الجمهورية تنص على أن ميزانية الوسيط ملحقة بميزانية الوزير الأول وتتطلب مؤسسة الوسيط إمكانيات مالية يقوم بصرفها الوسيط الإداري بصفته الآمر بالصرف بالاعتمادات المخصصة له والتي تفيد من جهة أنه يتمتع باستقلالية التصرف في الاعتمادات المالية المخصصة له دون تدخل أي جهة أخرى لتحديد ظروف صرف الاعتمادات، أي أنه يتمتع بسلطة ممارسة الاختصاصات المالية التي يخوله إياها مركزه القانوني. من جهة ثانية يتمتع بحق التعيين آمر بالصرف مساعد له إما أن يكون الكاتب العام للمؤسسة أو أحد أطرها طبقا للمادة 42 من الظهير، يمارس نفس الاختصاص كلما اقتضت الضرورة ذلك وإذا كانت صياغة الفقرة الثانية من المادة 42 لم تبين بجلاء هل تعيين الآمر بالصرف الثانوي يسمح له بتفويض إمضائه أم أن الإمضاء يبقى من اختصاص الوسيط الإداري دون إمكانية تفويضه.
أما بالنسبة لإسبانيا فالوضع مختلف لأن ميزانية المدافع عن الشعب تندرج في باب داخل ميزانية الكرتس العام أي البرلمان(المادة 37) من القانون المنظم لمؤسسة المدافع عن الشعب.


وبعيدا عن النقاشات حول مدى استقلالية الوسيط وتمتعه بالكفاية المالية كأحد ضمانات الشفافية في أداء مهمة الوساطة الإدارية تبقى الأداة المالية لبناء الأساس في كل مؤسسة تنشد قيم المواطنة وحماية الحقوق الأساسية، في منأى عن كل مصدر للانتهاكات، وهي قيم لن تتمكن كل مؤسسة من خدماتها، إلا إذا كانت محصنة ضد الضغوطات المادية.

وعملا بقاعدة الاستقلالية المالية يجب أن يتمتع الوسيط الإداري بكل ما من شانه أن يقوي قدرته على ممارسة مهامه وإصدار مقترحاته بشكل يخوله سلطات ملموسة بلا انصياع ولا خوف، وهو ما يسمى بالاستقلالية الإدارية التي تبقى عماد الوساطة الإدارية.


ثانيا: الاستقلال الإداري لمؤسسة الوسيط
يعتبر الاستقلال الإداري ثاني خاصية إدارية لقيام الوسيط الإداري بمهامه بشكل فعال وناجع، وتقتضي هذه الخاصية أن يكون الوسيط متفرغا لعمل الوساطة الإدارية، دون الجمع بينها وبين غيرها. من الوظائف سواء المعينة أو المنتخبة وهي ما يسمى في الاصطلاح القانوني بمبدأ أو حالة التنافي. وأثناء ممارسته لعمله يجب أن يتمتع الوسيط بضمان الحماية له، من أي متابعة أو تحقيق وهو ما يسمى بالحصانة سيما وانه يستمد مقوماته من سيادة القانون وقواعد الإنصاف. وقابليته للتجديد مرة واحدة. وبذلك فالاستقلال الإداري يقوم على ثلاثة مبادئ:


مبدأ التنافي: تنص المادة 4 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط الإداري على أن مهمة الوسيط تتنافى مع العضوية في البرلمان وفي المجالس المحلية ومع تولي أي منصب سامي. لكنه يعد عضوا بحكم القانون في المجلس الوطني لحقوق الإنسان طبقا للمادة 32 من الظهير الشريف 19/11/01 الصادر في مارس 2011 المتعلق بإحداث هذا المجلس 
مبدأ الحصانة: تعني الحصانة تحقيق الضمانات الأساسية والقانونية والتقريرية لمزاولة الوسيط اختصاصاته أي تمكينه لمزاولة مهامه بعيدا عن أي ابتزاز أو مضايقة أو تهديدا أو تدخل في شؤونه وتعتبر الحصانة ضمانة أساسية لتحقيق النزاهة في ممارسة المهام. وبعيدا عن النقاشات التي آثارها موضوع الحصانة بشكل عام لتحديد ما إذا كانت حقا أم امتياز فهي إجراء عملي وقانوني يرتب الاستقلالية في تبني المواقف وإصدار الآراء.
فالحصانة القانونية محددة بقانون وهي حصانة تضمن عدم البحث أو المتابعة. أو الاعتقال أو المحاكمة بسبب إبداء رأي موقف أو عمل يدخل ضمن نطاق مأمورية الوسيط الإداري وهو نفس المقتضى الذي ينص عليه الفصل 3 من القانون الفرنسي المحدث لوسيط الجمهورية، وبالعودة إلى التشريع الإسباني نجد أن المدافع عن الشعب يتمتع بنفس الضمان السابقة مضافا إليها بجواز اعتقاله ولا وقفه إلا في حالة التلبس بالجريمة. كما أن حصانة هذا الأخير تطابق الحصانة البرلمانية حتى على مستوى المتابعة على الغرفة الجنائية لدى المحكمة العليا.
مبدأ قابلية التجديد مرة واحدة: طبقا للمادة الثانية من الظهير الشريف يتحصن الوسيط من كلا الإغراءات التي يكون موضوعا لها بهاجس العمل على إعادة تعيينه عند انتهاء ولايته مرات متكررة وهكذا يكون الاستقلال الإداري الأداة المثلى التي يجب أن تتحقق لمؤسسة الوسيط ليتمكن من تنفيذ قواعد الفلسفة التي احدث من اجلها بكامل حرية بعيدا عن الخوف من أية نتائج أو مكائد يمكن أن تحاك ضده.[4]

ومجالات الوسيط تنحصر في التوسط بين الإدارة والمواطنين بشأن قضايا عالقة تهم مجالات متعددة في المجال الإداري كالوساطة بين الإدارة والمواطنين فيما يتعلق بين الصفقات العمومية والتوريدات وكذا القضايا الإدارية الشائكة كنزع الملكية وقضايا الوظيفة العمومية وتكافؤ الفرص وحماية المستهلك وحماية المتقاعد وأيضا حماية الأقليات الأجنبية والفئات المهاجرة واللاجئة اضطرارا، والمشاكل المتعلقة بالإسكان والتأمين الاجتماعي والصحي.[5]

الفقرة الثانية :اختصاصات الوسيط وإجراءات عمله

تحدد المادة الأولى من القانون رقم 6-73 اختصاصات وسيط الجمهورية في تلقي الشكاوى المقدمة من الأفراد ذوي العلاقة مع الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة والمحلية وكافة المرافق التي تقدم الخدمات العامة ،بينما نفس القانون أجاز للأشخاص المعنوية كالشركات والنقابات والهيئات المحلية اللجوء إلى الوسيط على أن يشترط في من يلجأ للوسيط سواء أكان شخصاً طبيعياً أم معنوياً أن يكون له مصلحة، وفي ذلك يختلف نظام الوسيط الفرنسي عن نظام الامبودسمان السويدي لكنه يتوافق مع النظام المغربي .

كما يملك الوسيط تقديم التوجيهات المؤدية إلى تحسين مستوى أداء الإدارة وتسهيل حل المواضيع محل النزاع وتوجيه الإدارة إلى إتباع أسلوب معين في العمل, ويحدد الوسيط  مدة معينة تجيب الإدارة على هذا التوجيه فإذا امتنعت عن الإجابة أو رفضت الرأي المقترح يرفع الوسيط تقريراً بذلك إلى رئيس الجمهورية ،هذا وقد أوجب المشرع الفرنسي على الموظفين الإجابة على أسئلة واستفسارات الوسيط وله في ذلك أن يطلب من الوزراء تسليم المستندات والملفات التي تخص الموضوعات التي يبحثها ، ولا يجوز لهم الامتناع عن ذلك وان كانت الملفات سرية إلا إذا تعلق الأمر بالدفاع الوطني أو المصالح السياسية العليا للدولة[6].

ويخرج من اختصاصات الوسيط على وفق نص المادة 8 من قانون أعمال الإدارة المتعلقة بالمنازعات ذات الطابع الوظيفي بسبب إناطة الفصل بها إلى مجلس الدولة وحسبه كفيلاً بتوفير الحماية اللازمة للموظفين. إذا يتبين من خلال ذلك أن اختصاص الوسيط الفرنسي أكثر اتساعا و شمولية .

أما فيما يخص إجراءاته فمن الجدير بالذكر أن المشرع الفرنسي استلزم تقديم تظلم إلى جهة الإدارة قبل تقديم الشكوى أمام الوسيط للتخفيف عن كاهله ولإتاحة الفرصة للإدارة لتصحيح أخطائها ، كما أن تقديم الشكوى إلى الوسيط لا يقطع المدة المحددة للطعن أمام القضاء الإداري والمحددة بشهرين وعلى هذا الأساس لا مانع من تقديم الطعن أمام القضاء في نفس الوقت الذي تقدم فيه الشكوى أمام الوسيط .

فإذا تبين للوسيط صحة الشكوى أو وجاهة الطلب فيها يقوم الوسيط بتقديم التوصيات أو المقترحات إلى الإدارة المشكو منها ويبين ما يراه ضرورياً لتجاوز موضوع الشكوى ويقدم الحلول التي يراها ملائمة ، فإذا لم يتوصل إلى جواب من الإدارة خلال المدة التي حددها للإجابة يمكنه عندئذ أن يعلن عن تلك التوصيات من خلال وسائل الإعلام أو من خلال تقريره السنوي الذي يعلنه لرئيس الجمهورية والبرلمان ، وفي ذلك إحراج للإدارة ، بالإضافة إلى ذلك للوسيط أن يطلب إحالة الموظف المقصر للقضاء المختص ، وعلى الرغم من أن الوسيط في فرنسا لا يستطيع أن يحل محل الإدارة في إزالة المخالفة أو يوجه إليها أمر فان توصياته بالغة الأهمية وكانت سبباً للكثير من الإصلاحات الإدارية.

 اما بخصوص مؤسسة الوسيط المغربي فتتمثل اختصاصاتها انطلاقا من مضمون المادة الخامسة من الظهير وتنص هذه الأخيرة على اختصاص الوسيط باستقبال الشكايات الصادرة عن المواطنين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين وسواء متمتعين بالجنسية أو أجانب ، ويكون الوسيط الإداري ملزما بقبول الشكايات المحالة عليه دون شرط الجنسية بحيث أن رفض البث في شكاية يكون رهينا بما إذا كان موضوعها لا يستدعي الإحالة عليه، إذ يتطلب إتباع بعض إجراءات التسوية لدى الجهة الإدارية المعنية. ذلك أن المواطن المتضرر من سلوك إداري معين يكون ملزم بمعاينة ما إذا كان ذلك السلوك قابل لتسوية بإتباع خطوات أولية سابقة في إحالة الشكاية إلى مؤسسة الوسيط كمرحلة أولى فالوسيط يقوم بالنظر في الشكايات والتظلمات المحالة إليه والتي تدخل في نطاق اختصاصاته سواء أكانت من طرف المشتكي كشخص طبيعي أو من ينوب عنه من اجل ذلك أو كشخص اعتباري، فلها مجموعة من الوظائف ممتمثلة في :

وظيفة تواصلية: حيث يعتبر الوسيط حلقة وصل بين ثلاثة فاعلين، المواطن والإدارة والجهة التي يرفع إليها تقاريره السنوية(برلمان، رئاسة حكومية، رئاسة الدولة…) فالوسيط
يتلقى تظلمات من طرف المواطنين أو أية جهة أخرى تعطاها. هاته الإمكانية وفي بعض الأحيان يحرك المسطرة تلقائيا. ويقوم بالتحري والتحقيق بشأنها مع الجهات المتظلم منها ويبلغ المعنيين بالأمر بمآل تظلمهم والتوصيات المقدمة بشأنها، قبل أن يرفع تقريره السنوي إلى جهة محددة.

وظيفة التصحيح: يقوم الوسيط بدور إصلاحي حيث يهدف إلى حماية المواطن من تعسف أو شطط السلطات العمومية عن طريق توصيات الموجهة للإدارة عندما يتأكد بأن هناك انحراف أو عدم احترام للقانون في ممارستها ومطالبته لها بإعادة الأمور إلى نصابها وإنصاف المتضرر.

وظيفة وقائية: قد يكون لمجرد حضور مؤسسة الوسيط داخل الإدارة، كعامل مباشر يحثها على التمسك بالقوانين والأنظمة في تعاملها مع الوافدين عليها وبالتالي سيادة مناخ يشعر فيه الجميع أن لا شيء غير شرعي يفلت من العقاب.

وظيفة التقويم: إلى جانب السلطات الموكولة له يمكن للوسيط أن يشكل قوة اقتراحية لملائمة النصوص القانونية ومطابقتها مع الواقع، وذلك من خلال التفسيرات التي يعطيها وبعض النصوص أو انتقاداته الأعمال الإدارة، ومحاولته اقتراح حلول بديلة سواء لإصلاح الضرر الحاصل أو لتعديل القوانين القائمة، حتى يتم تفادي تكرار نفس الأخطاء واستمرار س التفاهم بين الإدارة والمتعاملين معها وذلك ما أشارت إليه المادة 33 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط.

 وعموما ينحصر دور الوسيط في تنمية التواصل بين الإدارة والمواطنين وحثها على التزامها بقواعد القيام بالواجب وتثبيت سيادة القانون وعلى ضمان سلامة المعاملات واحترام حقوق الإنسان،
وكذا تنحصر مجالاته في التوسط بين الإدارة والمواطنين بشأن قضايا عالقة تهم مجالات متعددة في المجال الإداري تكون الوساطة بين الإدارة والمواطنين فيما يتعلق بين الصفقات العمومية والتوريدات وكذا القضايا الإدارية الشائكة كنزع الملكية وقضايا الوظيفة العمومية وتكافؤ الفرص وحماية المستهلك وحماية المتقاعد وأيضا حماية الأقليات الأجنبية والفئات المهاجرة واللاجئة اضطرارا، والمشاكل المتعلقة بالإسكان والتأمين الاجتماعي والصحي.[7]

المبحث الثاني: مسؤوليات وسيط المملكة والنتائج الراهنة لعمله في تخليق القطاع العمومي

في خضم الصلاحيات والخصوصيات المذكورة سابقا، يتحمل وسيط المملكة المغربية مسؤوليات عديدة باعتباره ناظما وحريصا على الانضباط الإداري وعلى أخلاقيات التصرف الإداري الذي ينبغي أن يتموقع في فضاء تشع فيه مصالح الجماعة لا جماعة المصالح،ولتنزيل المقاربة التخليقية لدور الوسيط سنحاول الوقوف على بعض النتائج خلال الفترة الوجيزة التي مرت على أحداثه وتعيينه من لدن الملك وذلك إلى غاية متم سنة 2012

المطلب الأول: مسؤوليات وسيط المملكة

إن مؤسسة الوسيط عليها أن تسعى إلى الإجابة على انتظارات مرتفقي الإدارة وان تعمل على تحقيق تطلعاتهم في أن تكون إدارتهم في خدمة حقيقية لهم بعيدا عن البيروقراطية والتعقيد أو تصرف القائمين عليها باستعلاء أو كبرياء، حيث لا يخولهم موقعهم ومسؤولياتهم داخل القطاع حق فرض نمط من التعامل يخضع لأهوائهم بعيدا عما يفرضه القانون، ومع ذلك اتخاذ التدابير اللازمة لتامين استمرارية المرفق العام والتزامهم بالمساواة في التعامل.

وهكذا فان الإدارة يجب أن تكون في خدمة المواطن وليس العكس لذلك يعمل وسيط المملكة على مجموعة من المسائل سنتعرف عليها في الفقرات التالية.

الفقرة الأولى:مسؤولية الوسيط في حث الإدارة بتبسط المساطر

تحرص مؤسسة الوسيط على حث الإدارات على إعداد فضاءات استقبال تكون بوابة تترجم الالتزام الإداري بان القطاع فعلا في خدمة المرتفق وذلك من خلال ما يقدمه من مساعدة وما يكرسه لحسن الإنصات وما يبديه من تفهم وما يمتلكه من مؤهلات للإرشاد والتوجيه وتصحيح ما قد يقع فيه المرتفق من أخطاء وما يبرهن عليه من استعداد للتدخل عند كل إشكالية لإرجاع الأمور إلى نصابها تأمينا لتعميم الشعور بفعالية ونجاعة الإدارة ،كذلك يحرص الوسيط على قيام الإدارة بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية وتطويرها بما ييسر الخدمات والحرص على مجانيتها ، إلا ما قد يكون إلزاميا في تغطية تكلفة المتطلبات والتي لابد وان تكون في مقدور المواطن البسيط[8] .

مسؤولية الوسيط في اعتماد دليل بشان المساطر والإجراءات يعمم محتواه على مرتادي الإدارة ويكون الاطلاع عليه في متناول المرتفقين وبلغة مبسطة ومفهومة.

– مواكبة المستجدات وإيجاد الحلول لما يطفو على الساحة من إشكاليات لان الجمود والتراتبية في العمل الإداري قد يعوقان التقدم خاصة في خضم التغيرات المتسارعة التي تتطلب التصحيح والتكييف.

– الحديث والتواصل عن بعد ومكننة الخدمات والاعتماد على المعلوميات مع العلم بأن التحديث يجب أن ينصب على وسائل العمل وعلى المساطر وعلى العقليات أولا وقبل كل شيء.

– التواصل مع الإدارة والمرتادين وتوفير الإمكانية لهم لإبداء الملاحظات والتبليغ عن الاخلالات وفضح المشين من الممارسات مع ضمان حمايتهم وتأمين مصالحهم المشروعة

الحرص على توفر كل ادارة على وسائل التدقيق والافتحاص ليس فقط للتدبير المالي ولكن كذلك لتسيير الإداري من اجل تقييم العمل والوقوف على مواطن الخلل مما يتطلب إحداث لجان داخلية لتقييم جودة الخدمات مع اعتماد رأي طالبيها لان استطلاع الرأي قراء ذاتية لمنظور الغير لعطاءاتها .

– العمل على تحصين الإدارة نفسها من كل ما يمكن أن يتسرب إليها من مؤاخذات وإدانات تقدح فيما يجب أن تتحلى به من أخلاقيات.

– الحرص على انخراط في الإدارة من منطلق الاستحقاق بناء على تكافئ الفرص وفي نطاق الاحتياجات الحقيقية بناء على توصيف للمهام لاختبار المؤهلات التي تكون الإدارة في أمس الحاجة إليها إعمالا لما يصطلح عليه بالشخص الصالح في المكان الصالح [9].

الفقرة الثانية: مسؤولية الوسيط في خلق التواصل بين الإدارة والمواطنين
ان النظام الإداري المغربي تأسس بصفة عامة على مبدأ التسلسل الإداري والذي بطبيعته يتعارض مع الخلق والإبداع وحرية المبادرة وقد ترتب من طبيعة هذا النظام انغلاق الإدارة على نفسها وانغماسها في السرية والروتين لتجد نفسها مكبلة نظرا لغياب قنوات التواصل داخل الجهاز الإداري وبين محيطها. 
إذ إنه منذ عهد الاستقلال حاول المغرب تطوير الإدارة بشكل أحدث قطيعة مع الموروث عن المخزن وعهد الحماية، لكنه بقي تحديثا وظيفيا.
حيث أنه لم يرق إلى إتباع مناهج تكنولوجية دقيقة، فكانت الإجارة تحتل مكانة متميزة داخل النظام المؤسساتي حيث ستفرد بالقول الفصل في التدبير أما اليوم فقد أصبحت الإدارة ملزمة أكثر من الأمس بتغيير مناهجها لكي تتمكن من تحقيق اندماج فعلي وحقيقي مع محيطها. فالتدبير الإداري السائد بالأمس لم يعد اليوم مقبولا لأن الإدارة مطالبة بضرورة توفرها على متغير حقيقي يؤهلها لقبول مشاركة الآخر في التدبير، هذا الأمر هو الموظف أولا الذي يقدم الخدمات والذي أصبح مطالبا بتطوير مؤهلاته وكفاءته فخلق إطار عام داخل الإدارة بجعلها أكثر مصداقية وأكثر عقلانية.
ويشكل تثبيت دعائم التواصل بينها وبين موظفيها بالسماح لهم بمشاركتها في التدبير وهو ما اصطلح عليه تسميته بالتدبير التشاركي إحدى المقاربات التي ستعمل على تدعيم التواصل الداخلي للإدارة.
واليوم يعيش المغرب مرحلة جديدة قوامها الانتقال من كل مفهوم قديم إلى مفهوم جديد يجعل المواطن قطب الرحى في العلاقات الثنائية وذلك من خلال انفتاح الإدارة عليه واستقباله والإنصات لهمومه وإشراكه في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل العالقة لتحقيق أقصى ما يمكن من الاندماج والتقريب بينهما. [10]
ومن خلال منطوق المادة 24 من قانون المحدث للوسيط الإداري تبقى هذه المؤسسة آلية تفعيل التواصل بين الإدارة والمواطنين وهي إشارة واضحة إلى أن علاقة الإدارة بالمواطنين كانت تعرف نوعا من الفتور وأن الوقت حان لإصلاحها لتواكب مظاهر التحديث.
تظهر أهمية التواصل بين الإدارة والمواطن في أنه أصبح في السنوات الأخيرة يحضى باهتمام المفكرين والمحللين في الحقل الإداري بما له من دور في رسم ملامح تحديث الإدارة وتقريبها من المواطنين لتحقيق التنمية الإدارية. وهذا هو التواصل العام الذي ت يبقى مجاله الإدارة من أجل تحقيق الأهداف السامية التي أحدثت من أجلها المنظمات والتي هي تقديم الخدمات للمواطنين ومساعدتهم على الانفتاح لها في جو تسوده الثقة والاحترام المتبادل ومساعدتهم على حل مشاكلهم الناجمة. في علاقتهم بالمنظمات. فالإدارة بما تمكنه من امتيازات السلطة أصبحت ملزمة بالقيام بكل ما يؤهلها لتحقيق التواصل الإيجابي بينها وبين المواطنين.
أصبح التواصل يشكل مطلبا ملحا بل حاجة أفرزها تطور المجتمع وتعقيدات الإدارة.
وقد جاء ظهير شريف 1.11.25 المتعلق بإحداث مؤسسة الوسيط مؤكدا على أهمية تنمية التواصل بين الإدارة ومرتفقيها بمعنى ممارسة السلطة في جو يسوده التوافق والتفاهم وتقديم الخدمة في جو من السلم والثقة المتبادلة بين أطراف التواصل. وهذا ما نصت عليه المادة 24 ” إذ تعين الإدارة من أجل ضمان حسن التنسيق والتواصل والتتبع بينها وبين مصالح مؤسسة الوسيط مخاطبين دائمين يتمتعون بسلطة اتخاذ القرار فيما يحال عليهم من شكايات وتظلمات من لدن المؤسسة”. 
وقد تحول دور الوسيط في تنمية التواصل بين الإدارة والمواطنين  إلى مسؤولية  وذلك من خلال حثها على التزامها بقواعد القيام بالواجب وتثبيت سيادة القانون وعلى ضمان سلامة المعاملات واحترام حقوق الإنسان. 


المطلب الثاني : النتائج الراهنة لعمل وسيط المملكة

حرصا على الوفاء بما وقع تطويقه من أمانة الدفاع عن حقوق المتضررين وتثبيت أسس الحكامة الجيدة في عمل المرفق العمومي بروح العدل والإنصاف ومراعاة للكرامة عملت مؤسسة الوسيط على النظر في كل ما كان رائجا لدى المؤسسة السابقة وما توارد عليها من تظلمات جديدة تدخل في صلاحاتها وعلى التوجيه والإرشاد لما لا يندرج ضمن هذه الصلاحيات تيسيرا لسبل التواصل بين الإدارة ومرتفقيها مع مراعاة القواعد التي تفرضها ضرورة التخليق الملحة.

الفقرة الأولى : المعطيات الأساسية والمؤشرات العامة

لقد توصلت المؤسسة برسم سنة 2012 وحدها بما مجموعه 11291 تظلما تبين بعد دراستها وتحليلها أن 9618 تظلما منها لا يندرج بحكم مواضيع هذه التظلمات في صلاحية المؤسسة وقد تمحورت موضوعاتها على غرار ما سبق في السنوات السابقة حول ملتمسات التوظيف أو عفو والحصول على اذونات أو مساعدات وخلافات بين الخواص بالإضافة إلى تظلمات بشان قضايا معروضة على القضاء[11] .

وقد همت التظلمات السابقة الذكر عدة مجالات فكان أهمها يتعلق بتدبير الشأن المحلي والمجال العمراني والعقاري وما يرتبط بتدبير المسار الإداري للعاملين بالإدارات بالإضافة إلى بعض المنازعات ذات الطابع المالي ذي الصلة باستيفاء المستحقات.

وإذا كانت المؤسسة قد تمكنت من تسوية عدد من النزاعات فإن البعض منها ما يزال تحت الدراسة والبحث عن حلها ورفع ما قد يعترض تسويتها من معيقات ، وعملا بما يقتضيه حسن التواصل مع المرتفق والإدارة انخرطت المؤسسة في اختبار اللامركزية الذي لا يهم البعد الجغرافي فقط بل يتعلق بالانشغال بالمرتفقين وحاجاتهم  ، ساهمت المندوبيات المقترحة في ثلاث جهات بشكل ملحوظ في أنشطة المؤسسة وما يواكب ذلك من جهد التخلق على الصعيد الجهوي وكذا المحلي والأمل معقود على أن يتطور عملها بالارتباط مع توسيع الصلاحيات المخولة لمختلف الإدارات الخارجية بجميع الجهات والتي من المنتظر أن يتم تفويض اختصاصات أخرى لها تصب في دعم مشروع اللامركزية المتقدمة.

الفقرة الثانية:  أهم الاختلالات التي وقفت عليها مؤسسة الوسيط

من بين أهم الاختلالات التي وقفت عليها المؤسسة عدم تنفيذ الأحكام لاسيما من لدن الجماعات الترابية نتيجة عدم الاعتداد باستمرارية المرفق العام على اثر تناوب مجالسها وسوء تطبيق مسطرة نزع الملكية وبعض تعقيدات تسوية المعاشات وتعثر المسار الإداري للموظفين ومستحقاتهم في الترقية والتشكي من سوء تطبيق القانون الجبائي والتظلم من عدم الاستفادة من برامج السكن اللائق  لمحاربة مدن الصفيح ومن وثيرة تنفيذها … مما جعل الوسيط يصدر توصيات خاصة في مجال  تنفيذ الأحكام لأنه من غير المستساغ أن تتمادى الإدارة في الإحجام عن التنفيذ والحال أن المفروض فيها ذلك وأنها أول من يجب أن ينصاع إلى القانون والمساواة أمامه وكذلك أصدرت المؤسسة توصيات في مجال نزع الملكية بحيث استقرت توصياتها على ربط إقدام الإدارة على هذا الإجراء بتوفير احتياطي مالي عادل مقابل قيمة العقار المعني ، أما بخصوص تعسف الإدارة فالمؤسسة تطالب بجبر الضرر الذي لحق المرتفق جراء هذا الاعتداء من خلال إقرار الإدارة بتصرفها المعيب وتقديم اعتذارها لان ذلك قد يرد الاعتبار إلى المتضرر .

خاتمة :

يمكن القول أن مؤسسة الوسيط أصبح وجودها ضروري جدا، وذلك بالنظر إلى المهام الفعلية التي تضطلع بها، فإلى جانب بتها في النزاعات بين الإدارة والمتعاملين معها وإيجاد توازن في العلاقات بين الطرفين، فإنها تقف على مشاكل الإدارة عبر تذويبها فيما يجري في دواليب الأجهزة الإدارية، وعلى كيفية عملها وتقديمها لخدماتها، كما تقوم أيضا بتوجيه الرأي العام والمرتفقين بشكل خاص وتساعدهم على بناء توقعاتهم حول الإدارة. فالاهتمام بفكرة إحداث مؤسسة الوسيط تأتي في الوقت الملائم شريطة خلق حوار واسع النطاق حولها بإشراك كافة فعاليات المجتمع، حتى يستقر التصور بشأن أبعاد هذه المؤسسة، كلبنة لاستكمال تشييد الصرح المؤسساتي للدولة.
وتنبغي الاشارة إلى أن نجاح مؤسسة الوسيط في تحقيق المرامي التي أحدثت من أجلها رهين بالمقومات التي تعتمد عليها وبالوسائل الموضوعة رهن إشارتها من خلال وجود مؤسسة الوسيط إلى جانب المؤسسة الملكية يعتبر عاملا من عوامل القوة والفاعلية في أداء مهامه، فهذه المكانة يجب استثمارها بشكل ايجابي لخدمة مصالح المواطنين ، و توافر الشروط والوسائل التقنية والتنظيمية الضرورية لعمله، فهذه المؤسسة يجب أن تكون نموذجا للمؤسسة الفعالة والناضجة وليس مجرد وسيلة احتياطية و ضرورة وجود بيئة إدارية واجتماعية وسياسية وثقافية وعملية ناضجة.
ويمكن القول أيضا بأنه بغض النظر عن الأسس والتوجهات التي تحكم مؤسسة الوسيط في المغرب، وفرنسا، واسبانيا، وفي العالم فإن هدفها هو المساهمة في تنمية الديمقراطية وتدعيم دولة القانون.
ويبقى الرهان الأول والأخير هو العمل على توعية المواطنين بوجود هذه المؤسسة وبأهميتها وتحسيسهم بضرورة الدفاع عن حقوقهم اتجاه الإدارة حتى يترسخ مفهوم الإدارة في خدمة المواطن قولا وفعلا.

لائحة المراجع:

1- سميرة الكاملي -مؤسسة الوسيط دراسة مقارنة – رسالة لنيل الدراسات المعمقة جامعة الحسن الثاني عين الشق –الدار البيضاء 2003 -2004.

2- الوسائل الودية لفض المنازعات– الوساطة التحكيم الصلح – مجلة الحقوق المغربية – العدد الرابع – سنة 2012.

3- الحسن سيمو،المستجدات التشريعية والدستورية في مجال الوساطة المؤسساتية بالمغرب،مجلة وسيط المملكة، العدد 1سنة 2014.

4- بنزاكور عبد العزيز،حقوق الانسان والوساطة المؤسساتية كجزء منها بين الكونية والخصوصيات، مجلة مؤسسة وسيط المملكة العدد 2 سنة 2014.

5- الصلح و التحكيم و الوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال الاجتهادات المجلس الاعلى – الندوة الجهوية الحادية عشر –بتاريخ 01-02-2007.

6- ظهير شريف رقم 1-11-25 الصادر في 12 من ربيع الاول 1432 الموافق ل 17 مارس 2011 لإحداث مؤسسة الوسيط.

7- علي محمد بدير – الوسيط في النظام القانوني الفرنسي – مجلة العلوم القانونية – كلية القانون – جامعة بغداد – المجلد 11 عدد 2سنة 1996 .

8- عبد العزيز بنزاكور”وسيط المملكة”تخليق الحياة العامة في المغرب، ندوة اكاديمية المملكة المغربية ، مطبوعات اكاديمية المملكة المغربية سلسلة الندوات الرباط سنة 2013.

9- أحمد بوعشيق: ”إحداث مؤسسة ديوان المظالم نحو منظور جديد العلاقات الإدارة بالمواطنين”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 34، 2002 .


[1]  – ظهير شريف رقم 1-11-25 الصادر في 12 من ربيع الاول 1432 الموافق ل 17 مارس 2011 لإحداث مؤسسة الوسيط.

[2] – سميرة الكاملي: ”مؤسسة الوسيط دراسة مقارنة” رسالة لنيل الدرسات المعمقة، جامعة الحسن الثاني، عين الشق الدر البيضاء 2003-2004 ص 45

[3]  مازن ليلو راضي – نظام الامبودسمان ضمانة لحقوق الافراد وحرياتهم – مجلة القادسية مجلد 3  عدد 2- 1998 ص249

[4]  – شنقيط عتيقة: ”إشكالية إحداث مؤسسة الوسيط في المغرب بين المشروع وآفاق التطبيق”، دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس، الرباط 2000-2001.ص 56

[5] – الحسن سيمو،المستجدات التشريعية والدستورية في مجال الوساطة المؤسساتية بالمغرب،مجلة وسيط المملكة، العدد 1سنة 2014 ص35

[6]  علي محمد بدير – الوسيط في النظام القانوني الفرنسي – مجلة العلوم القانونية – كلية القانون – جامعة بغداد – المجلد 11 عدد 2 1996 ص86 .

[7]  – الحسن سيمو،المستجدات التشريعية والدستورية في مجال الوساطة المؤسساتية بالمغرب،مجلة وسيط المملكة، العدد 1سنة 2014 ص35

[8] – عبد العزيز بنزاكور”وسيط المملكة”تخليق الحياة العامة في المغرب، ندوة اكاديمية المملكة المغربية ، مطبوعات اكاديمية المملكة المغربية سلسلة الندوات الرباط سنة 2013 ،ص:162

[9] – عبد العزيز بنزاكور” مرجع سابق ،ص:164

[10] –  د. أحمد بوعشيق: ”إحداث مؤسسة ديوان المظالم نحو منظور جديد العلاقات الإدارة بالمواطنين”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 34، 2002، 65

[11] – عبد العزيز بنزاكور” مرجع سابق ،ص:166

ضع تقييمك لهذه المقالة
شارك مع أصدقائك