الوساطة الأسرية بالمغرب بين تحديات الواقع والآفاق المستقبلية

الوساطة الأسرية بالمغرب بين تحديات الواقع والآفاق المستقبلية
الوساطة الأسرية بالمغرب

الوساطة الأسرية بالمغرب بين تحديات الواقع والآفاق المستقبلية


بقلم: عبد العزيز الجطيوي
طالب باحث بماستر الوساطة الأسرية والاجتماعية بفاس

مقدمة:

أصبح اعتماد الوسائل البديلة مسألة ملحة في الوقت الراهن، وذلك في ظل المعضلة التي يواجهها القضاء في مختلف الأنظمة القانونية والقضائية عبر العالم، حيث لم تعد المحاكم قادرة على استيعاب الكم الهائل من الخلافات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، الأمر الذي يتسبب في تكدس القضايا عليها، والتأخير في إصدار الأحكام القضائية، وبالتالي البطء في الحسم في النزاعات في وقت معقول بسبب كثرة القضايا، وطول الإجراءات وتعقدها.

   
و الوسائل البديلة ليست آليات وليدة العصر، بل هي متجذرة في التاريخ الانساني، حيث كانت معروفة في الحضارات القديمة قبل مجيئ الإسلام، كالحضارة الاغريقية والحضارة المصرية القديمة، وقد عرفت في تاريخ المغرب قبل انتشار دعوة الإسلام، إذ كان أعيان القبائل يصالحون بين الناس بمقتضى الأعراف والتقاليد السائدة آنذاك، وقد كانت الأعراف الأمازيغية بالمغرب رائدة في هذا المجال، وبعد مجيئ الإسلام دعا إلى إصلاح ذات البين بين الناس، حيث وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعوا إلى الإصلاح بين الناس في مختلف المجالات، من ذلك من القرآن قوله تعالى: ” لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس” الأنفال الآية:1 وقوله تعالى: ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما” سورة النساء، الآية: 34.


لكن الجديد اليوم هو ضرورتها أكثر من أي وقت مضى، والمغرب بدوره أولى في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا بهذه الوسائل، حيث نظم المشرع بعضا منها في عدد من قوانينه، ومن ضمنها الوساطة والتحكيم في قانون المسطرة المدنية، والصلح في مدونة الأسرة وبالميدانين الاجتماعي والجنائي …
    وإذا كانت هذه المجالات خصبة لقيام النزاعات وتتطلب إعمال هذه البدائل، فإن اللجوء للوسائل البديلة يزداد أهمية متى تعلق الأمر بالمنازعات الأسرية، وذلك نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط بين مكونات الأسرة، هذه الأخيرة التي تعتبر اللبنة الأساسية بالمجتمع، والدعامة الأولى التي يتلقى فيها الانسـان أولى دروس الحياة الاجتماعية، لكن الملاحظ اليوم أن الأسر أصبحت تعرف العديد من المشاكل نتيجة للتطور والتغير الاجتماعي الحاصل في المجتمعات، إذ يعتبر التفكك الأسري أحد أهم المشاكل التي تعاني منها جميع المجتمعات بما في ذلك المجتمع المغربي.


     وتعتبر الوساطة من بين أهم الحلول البديلة لتسوية هذه النزاعات، وقد حظيت هذه الآلية في العقود الأخيرة باهتمام كبير من قبل التشريعات المقارنة، سواء الغربية منها أو العربية، وذلك بالنظر لما توفره من مميزات عن المسطرة القضائية وبقية الوسائل البديلة الأخرى، من سمة السرعة في الوصول للعدالة، والمرونة في اجراءاتها وسريتها، ودور الاطراف الفعلي في صناعة الحل…
إن الوساطة الأسرية بوصفها وسيلة بديلة لتسوية المنازعات، تعمل على حل الخلافات التي تقوم داخل مؤسسة الأسرة بشكل ودي، حيث تعمل الجهات الموكول إليها بذل الجهد لبلوغ التسوية الودية على البحث عن اتفاق للاطراف من خلال لغة الحوار، وذلك على خلاف الاجراءات القضائية التكتيكية، لكن هذا لا يجعل من القضاء الطريق الذي لا مفر منه، لأنه في كثير من الاحيان تكون الخلافات أعمق من أن تحل إلا عبر سلوك مساطره.


من هنا يمكن طرح الإشكالية التالية: إلى أي حد يمكن تفعيل الوساطة الأسرية بالمغرب على المستويين القانوني والواقعي؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية وذلك كما يلي:
ـ ما المقصود بالوساطة الأسرية؟
ـ ما هي مميزات الوساطة الأسرية عن بقية الطرق المشابهة؟
ـ ما هو واقع تطبيق الصلح القضائي وأهم اشكالاته؟
ـ ما هي آفاق تطبيق الوساطة الأسرية بالمغرب؟

للإجابة على الإشكالية المركزية التي يطرحها الموضوع وما تفرع عنها من أسئلة فرعية، سأعتمد التقسيم التالي:
المبحث الأول: التعريف بالوساطة الأسرية
المبحث الثاني: آفاق إدماج الوساطة الأسرية بالمغرب
 


المبحث الأول: التعريف بالوساطة الأسرية


   لا شك أن الوساطة تعتبر إحدى أهم الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، وذلك بالنظر إلى المزايا التي تتميز بها، وبالنظر إلى الدينامية التي تختص بها في تسوية النزاعات في شتى مجالات ومستويات الحياة ومن ضمنها النزاعات الأسرية، فقد استطاعت الوساطة أن تحقق نجاحات بارزة وأن تواكب مختلف التقلبات والتطورات التي يعرفها العالم الحديث.
     وللتعرف على الوساطة الأسرية أكثر، سأحاول تعريفها وتمييزها عن غيرها من الطرق البديلة الأخرى (المطلب الأول) ثم بيان الخصائص التي تتميز بها وكذا إبراز بعض التجارب المقارنة في تطبيقها (المطلب الثاني).


المطلب الأول: تعريف الوساطة الأسرية وتمييزها عن غيرها


     تشكل الوساطة اليوم الآلية الأكثر عصرنة وتقدما، وهذه الآلية تحظى بإقبال كبير من مختلف الفاعلين، وبالنظر إلى حداثة هذه الأآلية، يقتضي الأمر تحديد مفهومها (الفقرة الأولى) ثم التطرق للسمات التي تتميز بها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تعريف الوساطة الأسرية
     ينبغي لدراسة مؤسسة الوساطة الأسرية تحديد مفهومها اللغوي والاصطلاحي (أولا) ولا يكتمل بيان مدلولها أكثر إلا بتمييزها عن غيرها من الوسائل المشابهة (ثانيا).


أولا: تعريف الوساطة لغة واصطلاحا
أـ تعريف الوساطة لغة:


في اللغة:
الوساطة في كلام العرب، تعني” الوسط والتوسط” بمعنى الاعتدال في القول والفعل والفكر، وأوسط الشيء أفضله وخياره، والوسيط في القوم حسيبهم.
وسطه توسيطا: أي قطعه نصفين وجعله في الوسط، ووسط الشيء ما بين طرفيه.[1]
      والوسط لفظ مأخوذ في اللغة من وسَط بفتح السين، ويقال وسط الشيء أي بين طرفيه، ومنه قوله تعالى: ” وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ” أي عدلا فهذا تفسير الوسط وحقيقة معتادة، وإنه اسم لما بين طرفي الشيء، والوسيط: المتوسط بين المتخاصمين، وتوسط بينهم عمل الوساطة، وأخذ الوسط بين الجيد والرديء.[2]
   وتشير الوساطة إلى: توسط في الحق والعدل، وأوسطهم، أي أقصدهم إلى الحق.[3]


تعريف الوساطة في الاصطلاح:
التعريف التشريعي للوساطة:
–         في التشريع المغربي:


لم يعرف المشرع المغربي الوساطة كآلية بشكل عام، في حين أنه اكتفى في المقابل بتعريف اتفاق الوساطة وصوره في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية، حيث نص الفصل 56-327 على أن: “اتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد”.
    وفي التوجيهية الأوربية المتعلقة بالوساطة في المادة المدنية والتجارية، تم تعريف الوساطة في المادة 3 بما يلي: ” الوساطة مسطرة مهيكلة تتم أحيانا بأسلوب محدد أو معين، بواسطتها يقوم شخصين أو أكثر بحل نزاع بينهم بطريقة إدارية عن طريق الوصول إلى اتفاق ودي بينه بمساعدة الوسيط، ويمكن اللجوء إليها بمبادرة واقتراح الأطراف، أو باقتراح القاضي”.

تعريف الفقه للوساطة:
        عرف الأستاذ محمد سلام الوساطة بأنها: ” المساعي التي يقوم بها وسيط محايد بين طرفي النزاع، وتتمثل في تقديم المساعدة لهما معا حتى يتمكن كل منهما من تقييم مركزه القانوني والواقعي في النزاع، ويكون على بينة من المكاسب والأضرار الكاملة وراء استمرار النزاع.[4]
وعرفها حسن القيسي بكونها: تدخل في نزاع أو في عملية تفاوض يقبل الأطراف أن يقوم بها طرف ثالث – من صفاته أن يكون غير منحاز، حيادي ولا يملك السلطة أو القوة لصنع القرار- وذلك بهدف مساعدتهم بطريقة تطوعية في الوصول إلى اتفاقية خاصة بهم مقبولة منهم.[5]
            أما تعريف الوساطة الأسرية اصطلاحا فقد عرفها أحد الباحثين بكونها: “عملية بناء أو إعادة بناء الروابط العائلية، تتمحور حول استقلالية ومسؤولية الأشخاص المعنية بوضعيات الشقاق أو الانفصال، يعزز فيها شخص ثالث هو الوسيط الأسري المحايد والمستقل والمؤهل والذي ليس له سلطة اتخاذ القرار، تواصلهم ويحملهم من خلال تنظيم لقاءات سرية على تدبير نزاعهم الأسري الممتد في تنوعه وتطوره”.[6]

ثانيا: تمييز الوساطة عن بقية الطرق المشابهة


أـ تمييز الوساطة عن الصلح:
    يعتبر الصلح وسيلة فعالة لتسوية النزاعات، ووضع حد لها وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح وتنمية العلاقات الاجتماعية، والحفاظ على أواصر المودة وتحقيق الأمن والاستقرار على مستوى الأسرة والمجتمع ككل.
     والصلح قديم قدم الحياة البشرية، اعتمدت عليه جميع الحضارات القديمة ومنها الحضارة الإسلامية، وكل التشريعات الحديثة وفي هذا الإطار نجد مشرعنا المغربي قد نظم الصلح بمقتضى قانون الالتزامات والعقود وخصص له بابا فريدا في القسم التاسع وفق الفصول 1098 الى 1116 من قانون الالتزامات والعقود وعرفه بذلك العقد الذي بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا او يتوقيان قيامه وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه او اعطاءه مالا معينا او حقا. ومن جهة اخرى فإن أهمية الصلح جعلته حاضرا في عدة قوانين أخرى من ضمنها مدونة الاسرة.
  
أوجه الاتفاق بين الوساطة والصلح:
        فيما يخص أوجه الاتفاق بين الصلح والوساطة، فإنهما يتفقان معا في أن كليهما يعتبر من الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، حيث إن المحكمة وهي تشهد وتصادق على الصلح لا تبت في الدعوى، بل إن مهمتها تقتصر على الاشهاد على الاتفاق الذي تم أمامها وتوثيقه ومنه اعتبر الصلح بديلا للتقاضي.[7]
    كما أن الوساطة تجوز في كل ما يجوز فيه الصلح وما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز أن يكون محلا للوساطة.
     فضلا عن أنها تتفق في الأهداف والنتائج وهي الوصول إلى تسوية ودية وإصلاح ذات بين الأطراف المتنازعة.[8]
  وأيضا تلتقي الوساطة مع التحكيم في ضرورة تدخل طرف ثالث، في الوساطة يسمى وسيط وفي الصلح يدعى مصالح، وهذا الطرف الثالث لا يملك سلطة اتخاذ القرار.


أوجه الاختلاف بين الوساطة والصلح:
      تتجلى أوجه الاختلاف بين الصلح والوساطة الأسرية في أن الصلح في ذاته غاية من أجل التقريب بين الناس عموما والمتخاصمين خصوصا، حيث لا يمكن أن يكون الصلح وسيلة وغاية في نفس الوقت، بينما تشكل الوساطة الأسرية وسيلة لحل النزاع الأسري.
   كما يختلفان في أن الوساطة تتطلب تدخل طرف ثالث بالضرورة، أما الصلح فقد يقع دون تدخل أي طرف، وذلك حينما يتفق الأطراف على إنهاء النزاع بينهما حبيا.
  كما يظهر الفرق بين الوساطة والصلح في أن القاضي وهو يقوم بالصلح يخضع لضوابط وقيود تحكم عمله القضائي، بينما الوسيط يقوم بعمله وهو متحرر من كل القيود التي من شأنها أن تعرقل وصوله إلى صلح يرضي طرفي النزاع.

ب ـ التمييز بين الوساطة والتحكيم
   عرف التحكيم في التشريع المغربي في الفصل 306 من ق م م بأنه التحكيم:” هو حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم”.[9]
    ويعرف في الفقه القانوني بكونه: “لجوء المتعاقدين إلى فك منازعاتهم الآنية أو المستقبلية إلى جهة غير قضائية للبت فيها بمقتضى شروط محددة حول شخص المحكـم أو أشخاص المحكمين، والجهة التي تبت في النزاع، والتزامات الأطراف وشروطهما حول حل خلافاتهما بهذه الطريقة، ووضع المحكـم الملتجأ إليه والشكليات المحددة لاختياره مسبقا باتفاق مشترك، أو باتخاذ مرجع في تسوية تحكيمية أو في سلطة تكييف”. [10]


ـ أوجه الاتفاق بين الوساطة والتحكيم:
     يعتبر التحكيم كما الوساطة من الوسائل لبديلة لتسوية النزاعات.
    بالإضافة إلى أنهما يلتقيان من حيث الصور التي يمكن أن يوجدا عليها، إذ يمكن اللجوء للتحكيم قبل وقوع النزاع “بشرط تحكيم” أو “بعقد تحكيم” بعد نشوبه، وكذلك الأمر بالنسبة للوساطة، حيث يمكن اللجوء إليها قبل وقوع نزاع وتسمى حينئذ ” شرط وساطة” أو بعد وقوع نزاع وتسمى حينذاك ” عقد وساطة”.
        كما تلتقي الوساطة مع التحكيم في أن كليهما يستلزم تدخل طرف ثالث، ففي الوساطة يتدخل طرف ثالث يدعى وسيط، وفي حالة التحكيم يتدخل طرف ثالث هو المحكم، وهذا المحكم قد يكون منفردا أو عدة محكمين.[11]
        ومما تلتقي فيه الوساطة مع التحكيم وجوب ابرام الاتفاق في شكل مكتوب، أي أن يبرم اتفاق الوساطة كتابة، حيث ألزم المشرع بذلك طبقا للفصل 58-327 من قانون 08-05.[12] وكذلك الأمر بالنسبة للتحكيم إذ نصت الفقرة الأولى من الفصل 313 من قانون 08-05 على أنه: ” يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة”.
    كما يلتقيان في ضرورة احترامهما لأحكام العقد من رضائية وسبب ومحل.
     ومن ضمن ما يشتبهان فيه أيضا، عدم تقيدهما بالجوانب القانونية، كما يمكن ابرامهما حتى في أثناء مسطرة جارية أمام المحكمة ما لم يتم البت فيها بحكم ملزم.

    ـ أوجه الاختلاف بين الوساطة والتحكيم:
       من بين صور الاختلاف بين التحكيم والوساطة أن المحكم يملك السلطة في صنع القرار وإملائه على الأطراف بعد أن يستمع إليهم ويطلع على مواقفهم، وعلى الوثائق المستدل بها من طرفهم ليصير مقرره ملزما لهم بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، على أساس صدوره بناء على قاعدة قانونية مادية أو على ما حدده العقد الذي اتفق الأطراف بمقتضاه على اللجوء إلى المحكم، في حين أن شخص الوسيط لا يصنع قرارا لحل النزاع، وإنما يعتمد على مصالح الأطراف المشتركة، وعلى القانون الطبيعي والعرف وقواعد الانصاف، في إطار مقاييس العدالة الشخصية، وبناء على اتفاق التسوية في الوساطة يكون الحل من صنع الأطراف شخصيا.[13]
    الوساطة كأسلوب بديل يصلح لحل كافة النزاعات سواء كانت تجارية أو مدنية، وكذلك منازعات الأحوال الشخصية، أما التحكيم فلا يجوز إعماله في خلافات الأحوال الشخصية كما تنص على ذلك أغلب التشريعات، وما انفرد بعكس ذلك سوى المشرع الليبي الذي وضع قواعد للتحكيم الداخلي بين الزوجين وفق أحكام الشريعة الإسلامية في المواد من 772 إلى 777 من قانون المرافعات الليبي.[14]
   إذا كان الأطراف في الوساطة يصنعون قرار التسوية الأمر الذي يجعلهم راضين بمنطوقه مستعدين لتنفيذه عن طواعية واختيار، فإن التحكيم قد يؤدي من خلال مقرر المحكم إلى نتائج قد ترضي طرفا ولا ترضي الطرف الآخر، الأمر الذي يخلق بعض الصعوبات أحيانا عند تنفيذ مقرر التحكيم.[15]


    تتمتع الهيئة التحكيمية بصلاحيات أوسع من الوسيط، إذ أن لها أن تأمر باتخاذ أي إجراء من إجراءات البحث والتحقيق، على خلاف الوسيط الذي يتعذر عليه مباشرة أي إجراء من هذا القبيل دون حصوله على موافقة أطراف النزاع.


الفقرة الثانية: مميزات الوساطة الأسرية

تتسم الوساطة بعدة خصائص عن مسطرة التقاضي، بل وتتميز بها عن بقية الطرق البديلة الأخرى، مما يجعلها توفر حظوظا متعددة للنجاح في تسوية النزاعات، ومن ضمنها الرضائية والسرية والحياد(أولا) كما تتسم بقلة تكاليفها والسرعة والمرونة في اجراءاتها (ثانيا). 
أولا: الرضائية والسرية والحياد:
أ ـ الرضائية:
   يمكن للأطراف اللجوء إلى الوساطة متى أرادوا سواء قبل عرض النزاع على القضاء أو حتى بعد عرضه عليه، حيث إن جل التشريعات التي نظمت الوساطة نصت على إمكانية اللجوء إلى الوساطة ولو بعد رفع النزاع إلى القضاء، فالوساطة تتم دون المساس بحق التقاضي، كما لهم أن ينسحبوا منها في أي وقت واللجوء إلى أي وسيلة أخرى لتسوية النزاع، وهذا وضع يمنح للأطراف المتنازعة كامل الحرية في اختياراتهم المتعلقة بالوساطة وهو ما يجعل الاتفاقات الناجمة عنها أكثر فاعلية من غيرها[16]
    كما أن الحل المتوصل إليه من خلال عملية الوساطة يكون باتفاق الأطراف عليه، ومن ثم يتمكن الأطراف من صنع الحل بأنفسهم بشكل ديموقراطي (بمعادلة رابح/ رابح)، لا كما هو الشأن بالنسبة لمسطرة التحكيم ومسطرة التقاضي حيث يصدر حكم قضائي أو قرار تحكيمي ملزم للجانبين، مما ينتج عنه تحمل أحد الجانبين خسارة القضية موضوع النزاع، أي بمعادلة راجحة لأحد الطرفين صورتها (خاسر/ رابح).
  ب- السرية:
       تتسم الوساطة بكونها النظام الذي يكفل لطرفي النزاع الحفاظ على السرية والخصوصية، لبعدها عن الإجراءات العلنية التي هي من سمات المحاكمة القضائية.
    والالتزام بالسرية يبلغ بما كان من الأهمية إلى درجة أن جل التشريعات التي عملت على تنظيم الوساطة في حل النزاعات نصت عليه بشكل صريح.
    وفي هذا الإطار نص الفصل 66-327 على أنه: ” يلتزم الوسيط بوجوب كتمان السر المهني بالنسبة إلى الأغيار وفق المقتضيات وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي المتعلقة بكتمان السر المهني، ولا يجوز أن تثار ملاحظات الوسيط والتصاريح التي يتلقاها أمام القاضي المعروض عليه النزاع إلا باتفاق الأطراف، ولا يجوز استعمالها في دعوى أخرى.[17]
   ج- الحياد:
    يعتبر الحياد من بين أهم سمات تقنية الوساطة، لذلك فإنه على الوسيط أثناء تسويته النزاع الالتزام بالحياد والابتعاد عن أي حكم نقدي، ويبرهن على احترامه للأطراف، لأن ذلك يساعدهم على إقامة الثقة وخلق محيط صالح لاكتشاف المشاكل الصعبة.[18]
     ثانيا: قلة التكاليف والسرعة والمرونة:
أ ـ قلة التكاليف:
   تعد المصاريف القضائية أحد سلبيات القضاء الرسمي، سواء ما تعلق منها بالرسوم القضائية، وأتعاب المحامين، وأجور باقي مساعدي القضاء من خبراء ومفوضين قضائيين ومترجمين، والتي ما فتئت تعرف ارتفاعا مستمرا، مما يجعلها عبئا ثقيلا على المتقاضين.[19]
    ولهذا فإن اللجوء للوساطة باعتبارها آلية ذات تكلفة أقل، من شأنه أن يوفر مزيدا من المصاريف على المتنازعين، وكذا التشجيع على اللجوء لحل النزاع عبر هذه الآلية.
    بـ السرعة:
     من بين المشاكل التي تعاني منها جل الأنظمة القضائية، كثرة القضايا المعروضة على المحاكم وتزايدها بشكل ملفت للانتباه، وقلة الموارد البشرية، إضافة إلى ضرورة التقيد بالإجراءات الشكلية التي يؤدي الاخلال بها إلى ضياع الحق من صاحبه، وصدور أحكام لا تنسجم في بعض الأحيان مع روح العدل والانصاف.[20]
        في حين أن توظيف الوسائل البديلة لحل النزاعات وخاصة الوساطة، يوفر السرعة في التوصل إلى الحل واختصار الوقت، وهي بذلك تكفل استغلال الوقت والحصول على حلول سريعة.
   فعملية الوساطة إذن مرهونة دائما بمدة محددة، والتشريعات التي نظمت الوساطة عملت على تحديد آجال قصوى لعملية الوساطة حفاظا على هذه الميزة.[21] والمشرع المغربي بدوره عمل على تحديد أقصى مدة للوساطة وهي ثلاثة أشهر مع إمكانية تمديدها باتفاق بين الأطراف.[22]
ج- المرونة:
   إذا كان القضاء والتحكيم يلزمان الممارس لهما بضرورة احترام المساطر والإجراءات القانونية، والتقيد بمواقف محكمة النقض في بعض النقط القانونية، فإن الوسيط والأطراف في عملية الوساطة يضعون النصوص القانونية والإجراءات المسطرية وراء ظهورهم، لأنهم غير ملزمين بالتقيد بها.
     وتبرز مرونة الوساطة في إمكانية توظيفها في أي مرحلة من مراحل التقاضي، وإمكانية حل جزء من النزاع أو النزاع بكامله، وفي الصلاحية الممنوحة للوسيط في تحديد موعد كل جلسة، واشعار الأطراف بذلك مع إمكانية الاجتماع مع كل طرف، أو بالأطراف مجتمعين، ومن بين صور مرونتها إمكانية مواصلة الدعوى أمام القضاء في حالة فشل الوساطة، بحيث لا يمكن أن يواجه الأطراف بأسبقية البت في النزاع.[23]


المطلب الثاني: نماذج في تطبيق الوساطة الأسرية


   أصبحت جل الأنظمة القانونية والقضائية في العالم ترنو اليوم إلى الأخذ بالطرق البديلة لتسوية النزاعات، ويعود سبب ذلك لمرونة هذه الآلية وفعاليتها في تسوية النزاعات بأقل تكلفة وأسرع وقت ممكن، مما مكنها من فرض وجودها كآلية ودية لتسوية النزاعات، واكتساح عدة مجالات.
   ونظرا لتحقيق هذه الآلية نتائج إيجابية ومحفزة في المجال التجاري، فقد انتقل تطبيقها إلى مختلف المجالات ومن ضمنها المجال الأسري، لما تساهم به في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية بين الأسر وتماسكها، والحفاظ على عرى الزوجية بين الأزواج.
   ولالقاء الضوء على بعض التجارب التي اعتمدت الوساطة الأسرية في أنظمتها القانونية والقضائية، سأعمل على رصد بعض التجارب في الدول الغربية (الفقرة الأولى) ثم أتطرق لبعض التجارب الخاصة بتطبيق الوساطة الأسرية في الدول العربية (الفقرة الثانية).


    الفقرة الأولى: الوساطة الأسرية في الدول الغربية


       تعد الوساطة الأسرية مؤسسة جديدة استرعت اهتمام العديد من السوسيولوجيين بعد الوقوف على التحولات الكبيرة التي عرفتها الأسرة في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد نشأت أول الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية بداية السبعينيات بهدف إيجاد حلول بديلة للنظام القضائي التقليدي، ومنها انتقلت إلى مجموعة من الدول، ومن ضمنها في التجارب الأنجلوساكسونية دولة كندا وهو ما سأتطرق إليه ( أولا) كما انتقلت إلى فرنسا وبلجيكا في الدول اللاتينية وهو ما سأتطرق إليه (ثانيا).


   أولا: تجربة الدول الأنجلوساكسونية:


      من التجارب الرائدة في مجال الوساطة الأسرية وحققت من خلالها نتائج إيجابية التجربة الأمريكية (أ) وكذا التجربة الكندية (ب).
أ ـ التجربة الأمريكية في الوساطة الأسرية:


    تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من بين التجارب الرائدة التي قطعت أشواطا ناجحة في الوساطة الأسرية، وقد نشأت الوساطة في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن الماضي.
     وقد تم تكريسها منذ السبعينات، ثم عرفت بعد ذلك انتشارا واسعا في ربوع العالم، حيث قام في السبعينات محام أمريكي يدعى ج. كولسون ( j . colson) بالأبحاث الأولى في الوساطة الأسرية، حينما حاول انطلاقا من تقنيات التحكيم التقليص من آثار الطلاق الصادمة، كما عمل محام آخر بولاية أطلنطا، هو السيد كولغر ( coolghor) بفتح أول مركز للوساطة الأسرية، وفي نفس الوقت اهتم جهاز العدالة بهذه الآلية، وتعتبر ولاية كاليفورنيا أول ولاية تتبنى قانونا يلزم الآباء في وضعية نزاع على حضانة الأطفال، فتبعتها بذلك العديد من الولايات حيث ستعمم التجربة على كامل التراب الأمريكي.[24]
     وتتنوع الوساطة المعتمدة بالتجربة الأمريكية إلى وساطة اتفاقية وهي التي يتم الاتفاق فيها على اللجوء لوسيط دون عرض النزاع على القضاء، وأخرى قضائية، وفي هذا النوع يتطلب عرض أولا على القضاء ليقوم بإحالته على الوساطة.
   شروط الوساطة في التجربة الأمريكية:
     تتطلب عملية الوساطة في التجربة الأمريكية احترام مجموعة من الشروط، من بينها:
ـ عدم وجود اعتداء على أحد الطرفين أو على الطفل بالعنف أو وجود حالة اغتصاب.
ـ تكون الوساطة غير مجدية أو غير ممكنة عندما يكون أحد الطرفي متعاطيا للمخدرات أو الأدوية، ويكون الطرف الآخر مساهما أو مزودا أو متحكما في هذه المسألة.
ـ السرية في الوساطة المطلوبة، وعدم استعمال الحجج والوثائق الناتجة عنها أمام المحاكم إلا باتفاق الطرفين.
ـ يجب أن يكون الوسيط معينا من قبل القضاء كلما تعلق الأمر بحضانة الطفل.
ـ أن يكون هناك تكافؤ بين الأطراف، مثلا في الحالة التي تكون فيها مدة الزواج طويلة ويكون أحد الزوجين يعتمد على الآخر في حياته، أو عند وجود تخوف الطرف الآخر، أو عدم استقلاليته عنه، فإنه لا يكون هناك مجال للوساطة.[25]


ب ـ الوساطة في التجربة الكندية:
     لقد انتقلت الوساطة إلى كندا من الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أحد الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، وقد لقيت هذه الآلية نجاحا متميزا بكندا، وخاصة في منطقة الكبيك، وذلك بفعل النظرة السلبية لمواطني هذه المنطقة إلى النظام القضائي وتعقد اجراءاته، وخصوصا في النزاعات الأسرية.[26]
    ولم تكن الوساطة في بداية الأمر خاضعة لنصوص تنظمها كما هو الشأن في الولايات المتحدة، بل تخضع لقانون الطلاق لسنة 1985، الذي يعتبر مرجعا للوساطة الأسرية في هذه التجربة، إذ ألزم في المادة 45ـ1 المحامي بارشاد موكله الذي يرغب في الطلاق بالتوجه للمصالح المكلفة بالوساطة الأسرية قبل اللجوء إلى المحكمة، وفي سنة 1997 دخل قانون الوساطة الأسرية حيز التنفيذ، حيث منح الأزواج خاصة ذوي الأطفال، إمكانية الاستفادة من مجانية خدمات الوساطة الأسرية، أثناء التفاوض، و تسوية طلبات الطلاق، أو الحضانة، أو النفقة[27]
   ولا يسمح قانون الوساطة الأسرية بمنطقة الكبيك بممارسة الوساطة إلا لوسطاء يكونون معتمدين في ذلك، وقد منح هذا النظام لخمس أنظمة مهنية تعتمد وسطاء من بين أعضائها[28]. وهذه الأنظمة هي:
ـ محامو الكبيك.
ـ غرفة الموثقين بالكبيك.
ـ الهيئة المهنية للمستشارين والمستشارات في التوجيه والمختصون والمختصات في التربية النفسية بالكبيك.
ـ هيئة علماء النفس بالكبيك.
ـ الهيئة المهنية للمساعدين الاجتماعيين بالكبيك.
   ويمكن للأزواج الولوج لثلاثة أنواع من الوساطة:
1ـ طوعية: حيث يتم اللجوء إليها بالاتفاق بين الزوجين، وذلك قبل أي اجراء قضائي.
2ـ جلسة الاخبار: وذلك حينما يكون النزاع يتعلق بحضانة الأطفال أو الحق في الزيارة، أو مبلغ النفقة على الزوجة أو على الأبناء أو تقسيم الممتلكات، أو حقوق أخرى، فإنه يتوجب على الزوجين حضور جلسة للاطلاع على مختلف الإمكانيات التي تتيحها الوساطة، ويبقى لهم حق قبولها أو رفضها.
3ـ في حال إذا ما قدرت المحكمة أنه يمكن أن يشكل لجوء الزوجين إلى الوساطة أنجع السبل لتسوية النزاع، فإنه يحق لها أن تأمر في أي وقت بضرورة لجوء الزوجين إلى الوساطة.[29]
ثانيا: تجربة الدول اللاتينية:
   للحديث عن الوساطة الأسرية في النظام اللاتيني، كان من الضروري التطرق لبعض التجارب السباقة والرائدة في هذا المجال، ومن ضمنها التجربة الفرنسية (أ) والتجربة البلجيكية (ب).

أ ـ الوساطة الأسرية في التجربة الفرنسية:
      لقد نشأت الوساطة الأسرية في فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي على غرار باقي الدول الأوروبية، وكانت بدايتها عبر ممارسة الجمعيات والمنظمات الاجتماعية دون أن يكون هناك مفهوم للوساطة الأسرية، وقد استعمل هذا المصطلح “الوساطة الأسرية” لأول مرة في العاشر من دجنبر سنة 1983 في بروكسيل، خلال اجتماع الحركات الأوروبية المهتمة بقضايا الأسرة.[30]
    وبعد مجموعة من النقاشات الاجتماعية حول الوساطة الأسرية بفرنسا جاءت مرحلة التطبيق العملي لها، حيث بدأت جمعية الأب الأم الطفل في ممارسة الوساطة في النزاعات الأسرية، وهي أول جمعية بفرنسا اهتمت بهذه الآلية وحاولت تطبيقها على أرض الواقع، وعملت على تطويرها، وفي يناير سنة 1988 عقدت هذه الجمعية مؤتمرا حول الوساطة الأسرية.
    وقد صدر بتاريخ 08 فبراير 1995 قانون 125/95 ومرسومه التطبيقي 652/ 96 الصادر في 22 يونيو 1996 لتكريس الوساطة الأسرية، وبذلك تعد فرنسا الدولة الأوروبية الأولى التي أصدرت تشريع خاص بالوساطة، وقد مكّنت المادة 1-131من قانون المسطرة المدنية الفرنسية القاضي المكلف بالنزاع بعد حصوله على موافقة الأطراف المتنازعة بتعيين شخص ثالث من أجل الاستماع للأطراف وتقريب وجهات نظرهم من أجل الوصول إلى حل للنزاع القائم بينهم، وهذا الإجراء تم الأخذ به في فرنسا كتدبير موجه لتخفيف العبء على القضاء.[31]
    وقد نصت المادة 131-5 على ما يلي: الشخص الطبيعي المكلف بإجراء الوساطة يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
1_ ألا يكون محط إدانة أو فقدان أهلية أو سقوط المعين في الجريدة رقم 2 في السجل العدلي.
2_ لا يجب أن يكون قد قام بأفعال مخالفة للشرف أو الاستقامة أو للأخلاق الحميدة والتي أدت به إلى عقوبة تأديبية أو إدارية من إقالة وشطب، عزل، سحب التعيين أو الترخيص.
3_ امتلاكه من خلال ممارسة نشاطه على المؤهلات المطلوبة بناء على طبيعة النزاع.
4_ أن يكون له تكوين وخبرة من خلال الممارسة العملية للوساطة.
5_ ضمانات الاستقلال الضروري في ممارسة الوساطة”.
   ونصت المادة 131-4 على إمكانية قيام الشخص الطبيعي أو الجمعية بعملية الوساطة، حيث جاء فيها ما يلي:
” يعهد بالوساطة أحيانا إلى شخص طبيعي أو جمعية
وإذا كان الوسيط المعين هو جمعية فإن ممثلها القانوني يخضع لموافقة القاضي من حيث اسم الشخص أو الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون بضمان باسمها ويقومون بتنفيذ الاجراءات”
   وفي سنة 2001 تم إحداث المجلس الاستشاري الوطني للوساطة الأسرية بمرسوم وزاري
   وقد عمل هذا المجلس على توحيد قواعد العمل في مجال الوساطة الأسرية.
    وإن التنصيص على الوساطة العائلية بشكل قاطع وحاسم في قانون المسطرة المدنية الفرنسي جاء من خلال قانون 4 مارس 2002 الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2003 المتعلق بالوساطة الأبوية هذا الأخير الذي نص في الفصل 10_2_373 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي على أنه:
   ” في حالة عدم الاتفاق يبذل القاضي قصارى جهده للإصلاح بين الأطراف.
ومن أجل تيسير ممارسة السلطة الأبوية بشكل رضائي من طرف الآباء، يمكن للقاضي أن يقترح عليهم إجراء الوساطة وبعد تلقيه موافقة الأطراف يقوم بتعيين الوسيط الأسري.
    ويمكن له أن يأمرهم بلقاء الوسيط الأسري، هذا الأخير الذي سيعمل على إخبارهم بهدف ومسار هذا الاجراء.”[32]
 
    ثم أنشأ في سنة 2003 دبلوم الدولة للوسيط الأسري_demf وحدد مجالات تطبيق الوساطة الاسرية في الطلاق والانفصال، والتضامن بين الأجيال، وحماية الطفل.[33]
    وقد تدخل المشرع الفرنسي من أجل تعديل القوانين ذات الصلة بهذه المجالات، وجعل المرور من الوساطة الأسرية فيها إجباريا، حيث عدل القانون المتعلق بالطلاق بقانون 26 ماي 2004 وأعطى إمكانية إحالة الأطراف على وسيط من قبل القاضي بعد أخذ موافقتهم،  إضافة إلى تعديل القانون الصادر في 5 ماي 2007 المتعلق بحماية الأطفال، الذي جعل الإحالة على الوساطة الأسرية بأمر من قاضي شؤون الأسرة أو قاضي الأحداث، ثم تلا هذا تعديلات وإجراءات بدأها وزير العدل في يونيو من سنة 2008، حيث كلف لجنة لإعداد تقرير حول إمكانية تعديل بعض الإجراءات القضائية، وفتح الباب أمام الأطراف للجوء إلى الوساطة الأسرية قبل رفع الدعوى أو أثناء مرحلة الاستماع إليهما من طرف القضاء.
 
   ب ـ الوساطة الأسرية في التجربة البلجيكية:
 
        ظهرت الوساطة الأسرية كآلية لحل النزاعات الأسرية في بلجيكا منذ سنة 1987، حيث كانت تمارس خارج ساحة المحاكم، وخاصة في مراكز التخطيط العائلي. وتطورت في التسعينات، وفي سنة 1991 تم تأسيس جمعية للوساطة الأسرية والتي أنيط بها إعداد الوسطاء الأوائل في المجال الأسري.[34]
   وقد تم الأخذ بالوساطة الأسرية أول الأمر ضمن أشكال الوساطة، وقد صدر أول قانون يعنى بالوساطة الأسرية سنة 2001، لكن تم تعويضه في سنة 2005، حيث تم تمديد الوساطة لتشمل ليس فقط الوساطة الأسرية، بل أيضا الوساطة التجارية ومدنية، وقد نص قانون 21 فبراير 2005 على احداث اللجنة الفدرالية للوساطة، وتضطلع بعدة مهام، من ذلك:
قبول أعضاء تكوين الوسطاء، وتحديد معايير قبول الوسطاء، وسحب الرخصة الممنوحة للوسطاء الذين لا تتحقق فيهم الشروط المقررة، وكذا قبول أو سحب صفة وسيط، وتحرير أو نشر لائحة الوسطاء لدى المحاكم.
   هذا وتعتمد التجربة البلجيكية على نوعين من الوساطة الأسرية، قضائية واتفاقية.
فيما يخص الوساطة القضائية: وهي التي تتم تحت إشراف القاضي، حيث يطلب من الأطراف تعيين وسيط مقبول من اللجنة الفدرالية، أو بمبادرة منه لكن بموافقة الأطراف.
الوساطة القضائية:
   وهي التي تتم تحت اشراف القاضي، حيث أن هذا الأخير يقوم بتعيين وسيط مقبول من طرف اللجنة الفدرالية للوساطة، بطلب من الأطراف أو بمبادرة منه لكن بعد موافقتهم.
الوساطة الاتفاقية:
   وهي التي يتفق عليها الطرفان من غير عرض النزاع على القاضي، ويمكن اللجوء إليها حتى وإن كانت دعوى قائمة أمام المحكمة، فللأطراف حرية اختيار الوسيط، لكن بعد موافقة اللجنة الفدرالية، وتوقيع بروتوكول اتفاق الوساطة يستجيب لمتطلبات القانون.[35]

الفقرة الثانية: الوساطة في الدول العربية


    تحظى الوساطة باهتمام بالغ من لدن مختلف الأنظمة القانونية والقضائية، مما دفع بعض التشريعات ومن ضمنها التشريعات العربية إلى تبنيها كوسيلة لتسوية النزاعات الأسرية، من بينها التجربة المصرية، والتجربة الإندونيسية (أولا) وكذلك التجربة التونسية والجزائرية (ثانيا).

أولا: التجربة المصرية والاندونيسية


أ ـ التجربة المصرية:
   تعد التجربة المصرية مع الوسائل البديلة من بين أقدم التجارب العربية في هذا الميدان، حيث ابتدأ العمل بلجان التوفيق والمصالحة خلال منتصف القرن التاسع عشر تقريبا، ثم غابت هذه القوانين المصرية، إلى أن عادت إلى الواجهة سنة 1952 عن طريق احداث لجان التوفيق والتحكيم في منازعات العمل.
   ولم يتم الأخذ بالوساطة في تسوية النزاعات الأسرية إلا سنة 2004 بموجب القانون رقم 10[36]، الخاص بأنشاء محاكم الأسرة التي لها ولاية الفصل في النزاعات المتعلقة بالأحوال الشخصية.
     ونظرا لأهمية هذه الوسيلة ارتأى المشرع المصري إلزام الأطراف المتنازعة باللجوء إلى مكاتب التسوية أولا في مكاتب التسوية بدائرة نفوذ محكمة الأسرة المختصة، ولا تقبل الدعوى في المسائل التي يجوز فيها الصلح إلا بعد طلب التسوية عبر هذه المكاتب، وتضم هذه المكاتب العديد من الأخصائيين القانونيين والنفسيين والاجتماعيين يعمل على اختيارهم وزير العدل من خلال اصداره لقرار بهذا الشأن.
  فما هي اختصاصات مكاتب تسوية النزاعات الأسرية؟
من خلال أحكام المادة السادسة من القانون رقم 10 لسنة 2004، يتضح أن هذه المكاتب تختص في الدعاوي التالية:
ـ دعاوي التطليق بكافة أنواعها.
ـ دعاوي النفقات وما في حكمها.
ـ دعاوي حضانة الصغير وحفظه ورؤيته وضمه والانتقال إليه.
ـ مسكن الزوجية.
 ـ المتعة.
ـ دعاوي المهر والجهاز والدخلة والشبكة وما في حكمها.
ـ الدعاوي المتعلقة بالإذن للزوجة بمباشرة حقوقها متى كان القانون الواجب التطبيق يقضي بضرورة الحصول على إذن الزوج لمباشرة تلك الحقوق.
     وإذا تم التوصل إلى الصلح بين الأطراف يتم تحريره في محضر يوقعه الأطراف ورئيس المكتب، ويرسله هذا الأخير إلى محكمة الأسرة المختصة، لتذيله بالصيغة التنفيذية، وتكون له بعد ذلك قوة السندات الواجبة التنفيذ.
   وأما ن لم تسفر جهود المكتب عن تسوية النزاع بشكل ودي جزئيا أو كليا، فيتم تحرير محضر في ذلك يرسل إلى قلم محكمة الأسرة المختصة، بعد توقيعه من الأطراف أو ممن حضروا عنهم، وارفاقه بتقارير كل من الأخصائيين ورئيس المكتب، وذلك في مدة لا تتجاوز سبعة أيام من تاريخ تقديم أحد الأطراف طلب السير في الإجراءات القضائية ورفضه للتسوية الودية التي يقوم بها المكتب.[37]


ب ـ تجربة دولة إندونيسيا:
    من بين التجارب التي تأخذ بالوساطة الأسرية في تسوية النزاعات الأسرية تجربة دولة إندونيسيا، فهذه الدولة بحكم تميزها في تطبيق تعاليم الإسلام باتباع منهج وسطي معتدل.

ـ الوساطة من خلال مؤسسات هيئة النصح والإرشاد والمحافظة على الأسرة:
   وبهذا الصدد، قامت وزارة الشؤون الدينية في دولة إندونيسيا باجراء بحـث لمعرفـة مـدى سـعادة ونوعيـة العائلـة مـا بـين سـنتي 1950 و1954، كشـفت أن نسـبة طـلاق الزيجـات التـي تمـت خـلال هـذه الأعـوام بلغـت مـا يقـارب 60 بالمائـة، وهـو مـا أشـعر المسـؤولين في الـوزارة والزعـماء الدينيـون والمجتمـع بالحاجـة إلى إنشـاء مؤسسـة استشـارية لـلأسرة والـزواج تتكفـل بالوسـاطة وبحـث وسـائل حـل الخلافـات الأسريـة، وقد نتج عن ذلك أن تم تأسيس هيئة النصح والإرشاد والمحافظة على الأسرة سنة 1960، وهي هيئة تابعة لوزارة الشؤون الدينية، تعمل بشكل مستقل، كما أنها تتواجد فروعها على الصعيد المركزي والجهوي لكافة محافظات البلاد.
   وقد تركـز دور هذه الهيئة في المحافظـة عـلى الزيجـات والتخلـص مـن المشـاكل الأسريـة التـي تـؤدي إلى الطـلاق وتأهيـل المقبلـين عـلى الـزواج وتقديـم النصـح والإرشـاد للزيجـات والأسرة. 


    ويقـوم الوسـيط أو الوسـيطة بالخدمـات الموحـدة للحد مـن المشـاكل الأسريـة، وذلك بالتعـاون مـع مراكـز الخدمـات الموحـدة والجهــات غــير الحكوميــة والمستشــفيات والعيــادات ومركــز الخدمــات المــرأة والطفــل ومكاتــب المحامــاة ومركــز الأزمــات للنســاء، كــما يقــوم الوســيط في الهيئــة بحــل النزاعــات الأسريــة وتقديــم إرشــادات روحيــة لمــا لهــا مــن دور اســتراتيجي في مكافحــة العنــف ضــد المــرأة والطفــل، وتأهيلهــم للاندمـاج في المجتمـع مـرة أخـرى.[38]    وتهـم الوسـاطة الأسريـة في إندونيسـيا كل المراحـل الحياتيـة، منـذ مرحلة مـا قبـل الـزواج إلى مرحلة الحيـاة الزوجيـة ومـا قبـل الطـلاق عنـد الاقتضـاء، إذ تُجـرى دورات التأهيـل للمقبلـين علـى الـزواج مرتـين في فصـول تضـم مـن 20 إلى  30مشـتركا، وفي حـال تعـذر أحـد المشـتركين أو المشـتركات عـن الحضـور إلى مكتـب الشـؤون الدينيـة، يقـوم المكتـب بإرسـال موظّفيـه إلى أماكـن وجودهـم لتزويدهـم بالنصائـح والإرشـادات.[39]
ـ الوساطة في المحاكم: 
    يشـارك الوسـطاء أيضـا في المحاكـم، فلـدى المحكمـة الشرعيـة بجاكرتـا الجنوبيـة خمسـة وسـطاء غـير القضـاة الشرعيـين، إلا أنـه لابـد أن تمـر إجـراءات المرافعـات في القضايـا عـلى الوسـطاء. والقضايـا التـي تقـدم لا تقتصـر عـلى قضايـا الطـلاق فحسـب، بـل تمتـد إلى قضايـا أخـرى. وفي عـام 2010 تلقـت المحكمـة الشرعيـة 2086 قضيـة، منهـا 7 قضايـا طلـب إذن للتعـدد، و4 فسـخ النـكاح، و778 حالـة الطـلاق، و1733 قضيـة خلـع، و14 قضيـة عـن الـروات، و14 قضيـة عـن الحضانة، وقضيــة واحــدة لإثبــات النســب، و22 قضيــة ولايــة الــزواج، و7 قضايـا طلـب إذن للنـكاح.[40]

ثانيا: الوساطة الأسرية في التجربة التونسية والتجربة الجزائرية:


    من بين التجارب التي تعتمد الوساطة في تسوية النزاعات المتعلقة بالمجال الأسري، هناك التجربة التونسية (أ) وكذا التجربة الجزائرية (ب).

أ ـ التجربة التونسية:


    نتيجة للتطور والتغير الاجتماعي الحاصل في المجتمعات، أصبح نظام الأسرة يعاني من العديد من المشاكل، والتي يعد التفكك الأسري أبرز سماتها، من هنا جاء التفكير في آليات تساعد الأسرة على إعادة بناء العلاقات الأسرية بأسس ثابتة يكتنفها الحوار البناء، والتشارك الإيجابي، في هذا الصدد، تبرز الوساطة الأسرية كأبرز الوسائل البديلة التي أبانت عن نجاعتها في تدبير النزاعات الأسرية.
   ومن بين التجارب التي أخذت بالوساطة في تسوية النزاعات العائلية تجربة دولة تونس.
      فقد كان المشرع التونسي يجيز للقاضي تعيين حكمين من الأقارب لاصلاح ذات البين بموجب الفصل 25 من مجلة الأحوال الشخصية الصادر في 13 غشت 1956 لكن الأمر اقتصر على الحالة التي يشكو فيها أحد الزوجين الضرر ولا بينة له، وأشكل عليه تحديد الضرر، كما نص المشرع التونسي على المصالحة العائلية بمقتضى الفصل 32 من القانون رقم 74 لسنة 1993 الذي عدل مجلة الأحوال الشخصية، حيث مكن القاضي من بذل قصاري جهده لاصلاح ذات البين، فضلا عن أنه نص على مقتضى يخص إمكانية الاستعانة بمن يراه صالحا لاصلاح ذات البين إشارة منه للموفق أو المصالح العائلي.


   في هذا الاطار عملت وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية سنة 2005 على ادراج المصالحة العائلية ضمن برامجها، وذلك بالتعاون مع هياكل المجتمع المدني، وفي سنة 2010 صدر القانون رقم 50 المؤرخ في 1 نونبر 2010 الذي يتعلق ب ” إقرار مؤسسة المصالح العائلي” وقد أتى هذا القانون بتعديل للمادة 32[41] من مجلة الأحوال الشخصية، ذلك بإضافة فقرتين لها، يجيز بهما لقاضي الأسرة بعد موافقة الزوجين، الاستعانة بمصالح عائلي يعين من ضمن أطر هياكل الإصلاح الاجتماعي للإصلاح بينهما.[42]
     ويشير نفس الفصل أنه تضبط قائمة المصالحين العائليين بقرار مشترك بين وزير العدل والوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية، وفي حالة وجود ابن قاصر أو أكثر تتكرر الجلسة الصلحية ثلاث مرات على أن تعقد الواحدة منها 30 يوما بعد سابقتها على الأقل.
   وبخصوص مجـال تدخـل المصالح العائلي في نزاعـات الطـلاق دون غيرهـا، وفي مرحلـة التقـاضي باعتبارهـا تشـكل الحجـم الأكـبر مـن النزاعـات في مـادة الأحـوال الشـخصية. ويعنـي ذلـك أن قـاضي الأسرة لمن يتخلـى عـن صلاحياتـه في إجـراء الصلـح بـين الزوجـين المتداعـين.[43]
        وفي إطار هذه التجربة تـم إحـداث مراكـز التوجيـه والإرشـاد الأسري منـذ سـنة،2014 إلى جانـب مـا يجـري في المحاكـم ومـا يقـوم بـه قـاضي الأسرة مـن مسـاعي صلحيـة.

ب ـ الوساطة الأسرية في التجربة الجزائرية:
      لقد لعبت مجموعة من الهيئات العرفية باعتبارها موروثا ثقافيا أصيلا دورا مهما في تسوية النزاعات المختلفة في الجزائر، من ضمن تلك الهيئات الزوايا المنتشرة بمختلف المناطق، وثجماعث وهو نظام قضائي عشائري يدير شؤون القبائل بالجزائر، وحلقة العزابة بمنطقة ميزاب وغيرها.
    وقد نظم المشرع الجزائري الطرق البديلة لتسوية النزاعات في الكتاب الخامس من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وشمل هذا الكتاب كل من الصلح والوساطة والتحكيم، وقد استثنى المشرع الجزائري صراحة قضايا الأسرة من إجراءات الوساطة، ويرجع سبب هذا الاستثناء إلى كون بعض القضايا الأسرية تخضع لاجراء الصلح الوجوبي فيما يخص دعاوي الطلاق.[44]
   وفي حالة فشل مساعي القاضي في إجراء عملية الصلح، يمكنه استثناء اللجوء إلى مؤسسة الحكمين، إذ نصت المـادة 56 مـن قانـون الأسرة الجزائـري عـلى أنـه “إذا اشـتد الخصـام بـين الزوجـين، ولم يثبـت الـضرر وجـب تعيـين حكمـين للتوفيـق بينهـما، يعـين القـاضي الحكمــين، حكــما مــن أهــل الــزوج وحكــما مــن أهــل الزوجــة، وعـلـى هذيــن الحكمــين أن يقدمــا تقريــرا عــن مهمتهــما في أجــل شــهرين.”
         وتعرف النزاعات الأسرية بالجزائر خاصة منها تلك المتعلقة بالطلاق ارتفاعا كبيرا، كما هو الشأن بالنسبة لكثير من الدول.
    حيث إنه في آخـر إحصائيـات صـادرة عـن وزارة العـدل، تـم تسـجيل 60 ألـف حالـة طـلاق في الجزائـر منـذ بدايـة السـنة الجاريـة (إلى غايـة شـتنبر2015) بمعـدل 166حالـة في اليـوم و06 حـالات في السـاعة، وحالـة طـلاق لـكل عـشرة دقائـق. وهـذا مـا يجعـل الطـلاق يتحـول إلى ظاهـرة مخيفـة تنجـر مـن ورائهــا مشــاكل اجتماعيــة خطــيرة، تتطلــب دراســة معمقــة لمعرفــة الأســباب الحقيقيــة وراء تفــشي هـذه الظاهـرة في المجتمـع الجزائـري.[45]
       وإلى جانب المسطرة القضائية لتسوية النزاعات الأسرية في القانون الجزائري، تـم في الآونـة الأخـيرة اسـتحداث القانـون الأسـاسي الخـاص بالموظفـين المنتمـين للأسـلاك الخاصـة بـالإدارة المكلفـة بالتضامـن الوطنـي (المرسـوم التنفيـذي رقـم  09-353المـؤرخ في 8 نونـبر 2009 ويتعلـق برتبـة الوسـيط الاجتماعـي الـذي حـدد لـه مهامـا ترتبـط بالوسـاطة الأسريـة.[46]
   ويكلف الوسيط الاجتماعي علـى الخصـوص بمـا يـأتي:
–  إرشاد وتوجيه العائلات في وضع صعب ومرافقتهم اجتماعيا؛
– المســاهمة في صيانــة الروابــط العائليــة والاجتماعيــة والتضامنيــة بــين الأشــخاص المتكفــل بهــم والمحافظــة عـلـى وســطهم العائــلي والاجتماعــي وإعــادة ترميمــه؛
– مســاعدة العائــلات في وضــع صعــب في تســوية المشــاكل اليوميــة وإعــادة الثقــة والاتصــال فيــما بينهــا، ودعــم وظيفــة القرابــة؛
– المساهمة في كل نشاط من شأنه الوقاية من الصعوبات الاجتماعية ومعالجتها؛9- المساهمة في الإدماج الاجتماعي والمهني للأشخاص المعوقين، الذين هم في وضع اجتماعي صعب؛
– المشاركة في الأبحاث ذات الطابع الاجتماعي. [47]
   يشار أنه كان من المقرر اصدار مرسوم يخص تأسيس هيئة وطنية للوساطة الأسرية، حيث تم الإعلان عنه منذ سنة 2011، لكن ولغاية اللحظة لم يتم صدور المرسوم المتعلق باحداث هذه الهيئة.


   المبحث الثاني: الوساطة الأسرية بالمغرب بين تحديات الواقع والآفاق المستقبلية


        مما لا شك فيه أن الأسرة أصبحت تواجه اليوم مجموعة من التحديات والاشكالات، التي من الممكن أن تقوض أركانها وتفكك بنيانها وتقلل أدوارها ووظائفها، وهذا بلا شك سيترتب عنه إذا لم يواجه بحكمة واستراتيجية محكمة اضطرابا في الأمن المجتمعي وارباكا للاستقرار والسلم الاجتماعيين، ويحدث شرخا في التماسك الاجتماعي.
    ويعتبر مرفق القضاء من الأجهزة التي يوكل إليها اصلاح ذات البين في بعض النزاعات الأسرية، ومن ثم اسهامه في تحقيق الاستقرار الأسري والحيلولة دون تفكك الأسر، حيث يمكنه لهذا الغرض تسخير مجموعة من المؤسسات والآليات التي من بينها مجلس العائلة ومؤسسة الحكمين، وهو ما سأتطرق إليه بموجب (المطلب الأول) وفي ظل النجاحات التي حققتها الوساطة الأسرية في العديد من الدول خاصة منها التجارب الأنجلوساكسونية واللاتينية، يطرح السؤال حول كيفية الاستفادة منها والتأسيس لوساطة أسرية تتوافق والخصوصيات الثقافية المغربية، وهو ما سأخصص له (المطلب الثاني).


المطلب الأول: واقع تطبيق الصلح الأسري


    يعتبر الصلح الأسري من بين المساطر غير القضائية التي تهدف إلى تحقيق التماسك الأسري وانهاء النزاعات بصفة نهائية، وقد نظمه المشرع المغربي بمدونة الأسرة، ونص على إجبارية إجرائه في النزاعات المتعلقة بالتعدد والطلاق والتطليق باستثناء حالة التطليق للغيبة.
      وما جرى عليه العمل القضائي أن المحكمة هي التي تقوم في بادئ الأمر بمحاولة استقصاء أسباب الخلاف، ودعوة الزوجين إلى تجاوزها عن طريق عرض الصلح عليهما، وهذا الدور رغم الإيجابيات التي يحظى بها، إلا أنه تعترضه مجموعة من المعيقات وهو ما سأتطرق إليه في (الفقرة الأولى) وإلى جانب ذلك يمكن للمحكمة اتخاذ كل الإجراءات التي تخدم اصلاح ذات البين بما فيها انتداب حكمين ومجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لاصلاح ذات البين وهو ما سأتطرق إليه في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دور القاضي في مسطرة الصلح وإشكالاته


  من المزايا التي يحققها تكليف القضاء باجراء الصلح أو ما يسمى (بالوساطة القضائية)، أنه يساعد على تحقيق عدالة تصالحية سريعة، تساهم في تخفيف العبء عنه من كثرة القضايا المعروضة عليه، وتعمل على تحقيق الانصاف والسلم الاجتماعي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا باعتبارها تجربة رائدة في هذا الميدان، يتم الفصل في 9/10 من النزاعات في هذا البلد على يد الصلح.[48]
    وان كان من الجائز إعمال الصلح في مختلف المجالات التي يسمح فيها القانون بذلك، فإن تطبيق الصلح في قضايا الأسرة يتخذ بعدا أكثر عمقا وتأثيرا، يتجلى في إنقاذ الأسرة من التفكك، وتجنيب الزوجين والأطفال مشقة وضياع، لذلك يستفاد من المادة 82 من مدونة الأسرة، أن إجراء الصلح أضحى التزاما على عاتق المحكمة يتوجب عليها اجراؤه، وقد أقر هذا المقتضى المجلس الأعلى حيث اعتبر أن: “إجراء التصالح من النظام العام ” وتبعا لذلك قرر المجلس الأعلى فيما يتعلق بالإصلاح بين الزوجين أنه “إجراء جوهري تفتتح به دعوى التطليق ويترتب على نجاحه إثبات ذلك في أمر تنتهي به الدعوى، كما يترتب على فشله إصدار أمر بعدم التصالح والإذن بمواصلة الدعوى، ولهذا فإن المحكمة لما رفضت الدفع بعدم احترام هذا الإجراء بعلة أنه لا يكون ضروريا إلا عند قيام الحجة عند الضرر، تكون قدد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض”.[49]


   وعملية التسوية هذه تتم في غرفة المشورة، وهي مؤسسة حقوقية اعتبارية، أوجدها المشرع للبت في بعض القضايا التي تمتاز بالسرية، وتتطلب السرعة في اصدار الحكم[50] تتم فيها المناقشات، ويتم فيها الاستماع إلى الأطراف، ومحاولة إيجاد حل توافقي غير انحلال ميثاق الزوجية.

    “والملاحظ ان المشرع تطلب ان يجري الصلح من طرف المحكمة وليس من طرف القاضي المقرر، ذلك أن اجراء الصلح من طرف ثلاث قضاة وبحضور النيابة العامة وكاتب الضبط في غرفة المشورة فيه نوع من الاحراج بالنسبة للزوجين، لذلك ذهب بعض الفقه الى أنه يمكن للمحكمة أن تسند مهمة الاستماع الى الزوجين الى أحد اعضائها ويقوم هذا الاخير بإنجاز تقرير في الموضوع ويعيد القضية إلى الهيئة الجماعية بعد إخطار الطرفين بذلك في حين ذهب البعض الآخر إلى ضرورة اسناد مهمة الاستماع إلى القاضي المقرر نظرا لخصوصية الاسباب المؤدية لحل ميثاق الزوجية وهذا ما يجري به العمل في العديد من اقسام قضاء الاسرة.[51]
   وباستقراء إحصائيات أقسام قضاء الأسرة الصادرة عن وزارة العدل والحريات، يتضح أن عدد قضايا انهاء العلاقة الزوجية التي انتهت بالصلح في قضايا التطليق عرف ارتفاعا مضطردا سنة 2005 إلى غاية 2009، إلا أنه لوحظ سنة 2010 أن عدد القضايا التي انتهت بالصلح يعرف انخفاضا ملحوظا، إذ انتقل من 10076 حالة صلح سنة 2009 إلى 8322 سنة 2010، ليعرف ارتفاعا طفيفا سنة 2011، حيث تم تسجيل 9848 حالة صلح، ليرتفع إلى 14625 سنة 2012، لينخفض سنة 2013 إلى 10389 حالة صلح.


    ورغم الدور الذي يقوم به القاضي في اصلاح ذات البين إلا أنه يواجه مجموعة من الصعوبات، والتي من بينها:
ـ اسناد مهمة الصلح لقاضي الموضوع، الذي يجعل الأطراف يتحفظون بل ويمتنعون عن تقديم بعض التنازلات والبوح ببعض الأسرار، خوفا من انعكاس مواقفهم وتصريحاتهم في محاولة الصلح على مراكزهم أثناء المحاكمة بمشاركة نفس القاضي الذي قد يطلع على أسرار تم البوح بها، أملا في الوصول إلى حل اتفاقي.[52]
ـ صعوبة توفيق وملاءمة القاضي المسدد بين قيامه بدور المصالح بما تقتضيه من دور إيجابي وبين التزامه الموضوعية والحياد في عملية الوساطة بين الأطراف.[53]
ـ إسناد الصلح لقاضي ذو اختصاص مزدوج أمام تراكم القضايا بمكتبه، وعدد الملفات التي يجب تصفيتها في كل جلسة، ما يجعل القاضي يكتفي بالإشارة لمقتضيات الصلح لمجرد الاشارة العابرة كإجراء روتيني.
ـ عدم اقتناع القاضي بجدوى وأهمية الصلح، اعتبارا لنذرة حالات نجاحه، ولعدم اسهام طرفي النزاع فيه بإيجابية أثناء المسطرة.[54]
ـ وجود نقص كبير على مستوى الموارد البشرية للقضاة العاملين بالمحاكم، وأيضا في عدد الموظفين، وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على مردودية القاضي وهو يقوم باجراء الصلح، زد على ذلك أنه في مجموعة من المحاكم الابتدائية يجمع القاضي في عمله بين القضايا الأسرية وقضايا أخرى بما فيها القضايا الجنحية، حيث يصعب على القاضي في ممارسته العملية اليومية، تقمص شخصيتين مصلح اجتماعي من جهة، وقاضي زجري من جهة أخرى.[55]
ـ أن القاضي يقوم باتخاذ الحيطة والحذر من الغوص في النزاعات الحقيقية القائمة بين الطرفين خوفا من اتهامه بالانحياز لاحدهما، وتجنبه طرح حلول واقتراحات معينة للدفع بالمتخاصمين إلى الوصول إلى الحل الاتفاقي الذي يستوجب تنازل كل طرف عن جانب من ادعاءاته، وذلك حتى لا يتهم القاضي بابداء وجهة نظره في النزاع القائم عند مشاركته في البت في الخصومة إثر فشل محاولة الصلح، الأمر الذي يجعل دور القاضي في نظامنا القضائي سلبيا وشكليا، لا يتعدى طرح سؤال على الأطراف حول إذا ما كانوا يرغبون في الصلح أو لا.[56]

الفقرة الثانية: الأجهزة المرصدة للصلح وإشكالاتها
     يتم اللجوء إلى الوساطة غير القضائية في حالة فشل المحكمة في التوصل إلى إصلاح ذات البين بين الزوجين بناء على مجهوداتها الشخصية، وفي هذه الحالة يمكنها أن تستعين وفق ما تنص عليه المادة 82 من مدونة الأسرة بمؤسسة الحكمين (أولا) أو مجلس العائلة (ثانيا).

أولا: مؤسسة الحكمين:
    بمجرد تقديم طلب الطلاق أو التطليق أو التعدد، تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح بينهما، وفي حالة فشل المحكمة في مساعيها للإصلاح يمكنها أن تستعين بمؤسسة الحكمين قبل الحسم في مسألة انحلال ميثاق الزوجية وذلك للحفاض على استمراريته مصداقا لقول الحق سبحانه “إن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما” سورة النساء الآية 35
    ويعتبر الصلح في قضايا الطلاق والتطليق والتعدد إجراء جوهريا نصت عليه المادتين 94 و 95 من مدونة الأسرة، وفي هذا الاطار يقوم الحكمان باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين، وبذل جهدهما لانهاء النزاع، وفي حالة وقوع الصلح ينجز الحكمان تقريرا في ثلاث نسخ، ويوقع عليه من طرف الحكمين والزوجين، ثم تتولى المحكمة تسليم نسخة من التقرير لكل واحد من الزوجين وتحفظ النسخة الثالثة بملف النزاع بعد الاشهاد من طرفها على نجاح الصلح.
     وفي حالة تعذر الإصلاح بين الزوجين يرفع الحكمان تقريرا للمحكمة يحددان فيه أسباب الشقاق وأسباب الإساءة، وتثبت المحكمة ذلك في محضر، ثم تحكم بالتطليق وبالمستحقات مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر.[57]
     من هنــــــــا يطرح السؤال التالي: ما هي الصعوبات التي تحد من فعالية مؤسسة الحكمين في اصلاح ذات البين؟
   يمكن اجمال أهم عوائق نجاعة مؤسسة الحكمين فيما يلي:

ـ مسألة الشروط الواجب توافرها في الحكمين، إذ إن مشرع مدونة الأسرة لم يحدد الشروط الواجب توافرها في الحكمين حتى يصح انتدابهما من طرف المحكمة، وإن كان يحيل على المذهب المالكي في كل ما لم يرد به نص في المدونة.[58] فالمفروض في الحكمين أن يكونا مسلمين حكيمين ومعروفين بالاتزان ويرجحان العقل وتحري الموضوعية، وأن يكونا قادرين على الوعظ والترهيب والتأثير في قرار الزوجين، وقد ذكر فقهاء المالكية ما يجب أن يتوفر عليه الحكمين من شروط ومنها الإسلام والعدالة والذكورة والرشد، غير أنه من الصعب من الناحية العملية إيجاد حكمين بالأوصاف والشروط المطلوبة في الفقه المالكي من أهل الحكمين، لأن القضاء لا يتأتى له في أغلب الأحيان ندب حكمين بهذه الشروط، حيث لا يعلم الأصلح من الأقارب، وإنما يعينهما بناء على اقتراح الزوجين، ومعلوم أن هذين الحكمين يرشحون من الأقارب من يوافقونهم في الرأي، وبالتالي فإن الحكم لا يكون هاجسه هو التوفيق بين الزوجين، بقدر ما يتحول للدفاع عن الطرف المنصب من جهته[59] ومن ثم المساهمة في تعميق الخلاف بدل تذويبه ومحوه في كثير من الأحيان.
ـ بخصوص مهمة الحكمين فقد نصت عليها المادة 95 من مدونة الأسرة لكن صياغتها جاءت موجزة ومختصرة اختصارا شديدا، بحيث لم توضح بما فيه الكفاية مهمة الحكمين وما يجب عليهما تضمينه في تقريرهما خصوصا في حالة عجزهما عن الإصلاح بين الزوجين.  
 ـ يضاف إلى ذلك المدة الزمنية المقررة للحكمين من أجل تحرير مضمون الصلح ورفعه للمحكمة، حيث ترك مجال ذلك لتقدير القضاء، علما أن المحكمة مدعوة للفصل في الدعوى داخل أجل 6 أشهر وهي مدة تبدو غير كافية حتى للحكمين من أجل تنظيم لقاءاتهما ودراسة أسباب النزاع الأسري.


ـ كما لم ينص المشرع لا على جزاء الإخلال والتهاون في تأدية الحكمين مهمتهما ولا كيفية انتهائها، هل بتقرير شفوي أو كتابي مشترك أم منفرد؟ ولا على الحل الأنسب عند اختلافهما في أمر من أمور التحكيم المنوط بهما، إلى غيرها من الامور الأخرى التي تشكل بحق خرقا تشريعيا كبيرا وخطير يجعل مهمة الحكمان مهمة معرضة للارتجال في المجال القضائي.
ـ وبذلك فإن التطبيق القضائي لمؤسسة الحكمين، ذهب فيه جانب من القضاء، وكأنه أعفى هذا الأخير من بذل جهوده الحقيقية في الصلح لارجاع الود، وألقى بهذه المهمة على عاتق طرفي التحكيم وحدهما واقتصر دوره في القيام ببعض الإجراءات، كتعيين الحكمين واستدعائهما، والاطلاع على التقرير الذي خلصا إليه، أما بعض المحاكم الأخرى فقد عزفت عن تطبيق مسطرة الحكمين إلا في أحوال ناذرة بسبب اطلاع القاضي المصلح خلال جلسة الصلح الأولى على كون النزاع بين الزوجين له أبعاد عائلية، وقد يكون ذلك السبب الأساسي لنشوبه، فتتكون قناعة لدى القاضي أن مسألة تعيين الحكمين غير مجدية، وأنها ستؤول إلى نتائج عكسية.[60]
   إن جعل مؤسسة الحكمين مؤهلة لتأدية مهامها على الوجه الأحسن، يقتضي أن تكون جميع النصوص القانونية متكاملة وهادفة إلى نفس الغرض والمبتغى، ومن باب أولى ان تكون خالية من كل ما من شأنه أن يوحي بالتناقض والغموض وقابلية التأويل.

ثانيا: مجلس العائلة
    إن حضور مجلس العائلة[61] من الناحية التشريعية في مسطرة الصلح سواء في ظل مدونة الأحوال الشخصية أو بعد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق فيه تنويع للاجهزة المرصدة لاصلاح ذات البين، ولقد أنيطت بهذا الجهاز مهمة مساعدة القضاء في القضايا المتعلقة بشؤون الأسرة التي تنفع معها المساعي الحميدة والمبادرة الشخصية للقاضي ولا تجدي معها التدخلات العائلية لرأب الصدع.
   ويتكون هذا المجلس حسب المرسوم المنظم له من القاضي بصفته رئيسا الأب والأم او الوصي أو المقدم بالإضافة إلى أربعة أعضاء يعينهم مجلس العائلة من بين الأقارب والأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم أو جهة الزوج حسب الأحوال، وإذا تعذر توفرهم من الجهتين أمكن تكوينهم من جهة واحدة.
    غير أن التطبيق العملي لهذا المجلس في القيام بدوره في اصلاح ذات البين بقي محتشما إن لم نقل جامدا، ويمكن ارجاع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، من بينها:
ـ عدم تحديد المرسوم المنظم للمرحلة التي يجب فيها على المحكمة تعيين المجلس فيها، هل بعد تقييد المقال، أو بعد فشل محاولة الصلح.
ـ كما أن اتسام مجلس العائلة بدوره الاستشاري من شأنه أن يحول دون بلوغ الغاية من احداثه، وللمحكمة أن تصرف النظر عن استشارته بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه طبقا لما تنص عليه المادة 8 من المرسوم المنظم للمجلس.[62]
ـ بخصوص تكوين مجلس العائلة، فإنه يطرح تساؤلا حول ما إذا كان القضاء بامكانياته المتاحة حاليا قادرا على تكوين مجلس العائلة وفق ما جاء به المرسوم المنظم له؟ وخاصة من حيث الإمكانيات التي يتطلبها البحث عن أربعة أشخاص يتم استدعاؤهم، وما قد يعتري ذلك من مشاكل التبليغ، أو اعتذار البعض عن الحضور، فالمحكمة ليس لها من الوقت والوسائل ما يمكنها من تتبع مسطرة استدعاء كل واحد منهم.[63]
ـ ما يزيد من صعوبة تكوين هذا المجلس، ما يتطلبه في تعيين أعضاءه من ذوي القرابة، ومكان الإقامة والسن، ومدى الاستعداد للعناية بشؤون الاسرة والحرص على مصلحتها.
ـ من الصعوبات المادية مصاريف التنقل التي تشكل عائقا حقيقيا وواقعيا يحول دون اجتماع مجلس العائلة، إذ تقتضي بعض الحالات استدعاء أعضاء يقطنون في أماكن بعيدة عن مقر المحكمة، فيتطلب التنقل مصاريف قد لا تتحملها طاقة الطرف المستدعى، فيؤثر التغيب عن الحضور، فضلا عن وجود طبقات معوزة لا تقدر على تلبية استدعاء القاضي لأن في تنقله إرهاقا ماديا له، كما أن بعض الأطراف قد توجد خارج الدائرة الترابية لقاضي الصلح فيضطر إلى الاستدعاء بواسطة الإنابة القضائية و ما يصاحب هذه الطريقة من ثغرات و عراقيل قد تفوت إصلاح ذات البين.[64]
ـ كما أن الزوجين لا يتقبلان طرح مشاكلهما أمام جمع كبير يسمى مجلس العائلة يصل عدده إلى سبعة أعضاء مما يجعل الغاية المتوخاة من المجلس شبه منعدمة إن لم نقل منعدمة أصلا.
      من هنا تبقى مهمة المجلس استشارية يستأنس بها القاضي، من غير أن يكون ملزما بما قدمه واقترحه أعضاؤه وإذا كان الأمر كذلك فالتساؤل الذي يطرح نفسه هو مدى أهمية وجود هذا المجلس من الناحية القانونية والتنصيص عليه أمام تجميد مهامه على المستوى العملي.


المطلب الثاني: آفاق إدمــــاج الوساطة الأسرية بالمغرب


   إن الوساطة الأسرية ليست آلية غريبة عن المجتمع المغربي، بل هي متجذرة في تقاليده وأعرافه المجتمعية، وتجد سندها وأصولها في الشريعة الإسلامية التي تعتبر الدين الرسمي للمملكة المغربية.
    وقد استرعت الوساطة الأسرية كما هي متعارف عليها حاليا اهتمام العديد من السوسيولوجين، وذلك بعد الوقوف على مجموعة من التحولات الكبيرة التي عرفتها الأسرة في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد نشأت أول الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية السبعينيات بهدف إيجاد حلول بديلة للنظام القضائي التقليدي، ومنها انتقلت إلى فرنسا في بداية الثمانينيات بوصفها مقاربة جديدة ومكملة للقضاء في مجال تسوية الخلافات المرتبطة بالطلاق وانفصال الأزواج.
     والمغرب بدوره  أولى في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا  للوساطة، وقد بدأت بوادر هذا الاهتمام منذ مطلع الألفية الثالثة، إذ إنه بمناسبة السنة القضائية التي تمت بتاريخ 29 يناير 2003، دعا فيها عاهل البلاد إلى عصرنة القضاء وعقلنة العمل وتبسيط المساطر، وتنويع مساطر السوية التوافقية، وإعداد مشروع قانون التحكيم التجاري، ثم تلا ذلك خطاب آخر بتاريخ 20 غشت 2009، حيث دعا إلى تطوير الطرق القضائية البديلة كالصلح والوساطة والتحكيم، والأخذ بالعقوبات البديلة.[65]


      كما انخرطت وزارة العدل في هذا الاصلاح، فقد بذلت عدة جهود لادماج الوسائل البديلة في إطار تنزيل ما جاءت به الخطب الملكية، حيث قامت باعداد برنامج لتطوير نظام العدالة بإدخال الوسائل البديلة، إذ دخلت في شراكات مع بعض المؤسسات الدولية من أجل إدخال الوسائل البديلة إلى النظام القانوني والقضائي بالمغرب ومأسسة هذه البدائل، لا سيما ما يتعلق بالوساطة، وقد تم تنفيذ برامج للتعاون بهذا الخصوص مع عدة مؤسسات  كالمعهد الأمريكي ISDLS  ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة SFCG بدعم من الحكومة البريطانية، وبعد ذلك مع الوكالة الأمريكية USAID ثم المؤسسة المالية الدولية SFI التابعة للبنك الدولي.
     وفي سبيل وضع إطار قانوني للوسائل البديلة وخاصة منها الوساطة، تم اصدار القانون رقم 08.05 سنة 2007 الذي يتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، علما أن ما كان منظر له في بادئ الأمر كان يخص تنظيم التحكيم التجاري فقط.
   وفي سنة 2008 قامت وزارة العدل بوضع برنامج تعاون بينها وبين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة اليونسيف، وصندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة، بعنوان: “دعم أقسام قضاء الأسرة بالمغرب” وعلى إثر ذلك قامت وزارة العدل بشراكة مع بعض جمعيات المجتمع المدني بعدة مدن من ضمنها العرائش وفاس والرباط وطنجة، وعقدت عدة ندوات لفائدتها بغية إشاعة آلية الوساطة في المجتمع المغربي، وفي سنة 2010 أصدرت مرسوما يطلب بموجبه من القضاة المشرفين على أقسام قضاء الأسرة التنسيق مع المجالس العلمية المحلية في اصلاح ذات البين بين الأزواج.


   واستمر مسار التأسيس للوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال مخطط اصلاح منظومة العدالة الذي دعا إليه جلالة الملك، وقد كلف بصياغة هذا الاصلاح وزارة العدل بانتهاج مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين، وقد تم تشكيل هيئة وطنية للاصلاح بتاريخ 8 ماي 2012، حيث نظمت عدة ندوات جهوية، وخرجت بعدة توصيات اشتملت في ثناياها على ضرورة تسهيل اللجوء إلى الوسائل البديلة لتسوية النزاعات.
   يضاف إلى كل ذلك الجهود الأكاديمية في إشاعة الوسائل البديلة، وإبراز أهمية إدماجها في تسوية النزاعات، حيث أقيمت عدة ندوات تعنى بالوسائل البديلة وعالجت موضوع الوساطة الأسرية وسبل ادماجها في منظومتنا التشريعية والقضائية، ومن أدوار الجامعة في نشر ثقافة الوسائل البديلة، استحداث مجموعة من تخصصات الماستر والاجازة المهنية بعدة جامعات تعنى في بالمنازعات والوسائل البديلة والوساطة الأسرية.[66].
وعلى غرارالندوات الجامعية، تقوم وزارة العدل بورشات للتعريف بالوسائل البديلة، وتعقد مؤتمرات وطنية ودولية في هذا الاطار، وأهمها مؤتمر الصخيرات المنعقد سنة 2015 بعنوان: “الوساطة الأسرية ودورها في الاستقرار الأسري”
    يتضح من خلال هذه المجهودات المبذولة أنها حاولت وضع أرضية صلبة في التأسيس للوساطة الأسرية بالمغرب، والاستفادة من مزاياها لكنها لم تنجح لحد الآن في خلق مؤسسة للوساطة الأسرية بشكل فعلي على المستوى الواقعي.
   فما هي أهم الصعوبات التي تعيق تفعيل الوساطة الأسرية على أرض الواقع؟ وما هي سبل تجاوزها وآفاق الرقي بها؟
   للإجابة على هذه الأسئلة سأقسم هذا المطلب إلى فقرتين، أتناول في (الفقرة الأولى) الصعوبات التي تعترض تفعيل الوساطة الأسرية بالمغرب، ثم أتطرق  لآفاق تفعيلها بالمغرب في (الفقرة الثانية).
 
الفقرة الأولى: الصعوبات التي تعترض تفعيل الوساطة الأسرية


   تعترض تفعيل آلية الوساطة الأسرية بالمغرب عدة تحديات، منها ما يتعلق بالجانب التشريعي (أولا) ومنها ما يتعلق بالجانب الواقعي (ثانيا).

أولا: الصعوبات التشريعية:


      من أبرز الصعوبات التي تقف عقبة أمام إدماج وتفعيل الوساطة الأسرية ما يتعلق بالجانب التشريعي، من قبيل عدم التنصيص على الوساطة الأسرية بمدونة الأسرة (أ) وقصور القانون 05-08 في تأطيرها (ب) إضافة إلى محدودية قانون المحاماة باعتبار المحامي شريك في تسوية النزاع (ج).
أـ عدم التنصيص على الوساطة الأسرية بمدونة الأسرة:
    لقد أشارت مدونة الأسرة التي صدرت منذ سنة 2004 إلى مفهوم الوساطة في ديباجتها، حيث ورد بها ما يلي: ” تعزيز آليات التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي” فما هو المقصود بهذه العبارة؟
    يتضح من خلال هذه العبارة أن ديباجة المدونة أشارت لنوع من الوساطة وهو ” الوساطة القضائية ” التي يختص بها القاضي، وتمارس في الساحة القضائية، وبالتالي يحتمل أن يقصد بهذا التعبير معنيين، يتمثل الأول في الوساطة التي يقوم بها القاضي في تسوية النزاع بادئ الأمر –أي مباشرة بعد عرض النزاع عليه- كما تحتمل أن يقصد بها الوساطة غير القضائية التي تتدخل فيها جهة خارج إطار القضاء كمؤسسة الحكمين أو مجلس العائلة، ومع ذلك يرى أحد الباحثين[67] “أنها -أي النوع الثاني- تبقى وساطة قضائية تتم بايعاز من المحكمة وبوساطة مؤسسة غير قضائية” غير أنه يبقى الاصطلاح التشريعي لهذه المسطرة بمدونة الأسرة بالرغم من العبارة الواردة بديباجتها هو “الصلح الأسري” .
      كما أشار المشرع بموجب المادة 82 من مدونة الأسرة لامكانية استعانة المحكمة بمن تراه مؤهلا لاصلاح ذات البين، ويدخل في إطارها الاستعانة بالمجالس العلمية في إصلاح ذات البين، غير أن هذا المقتضى لا يمكن اعتباره إشارة صريحة للوساطة الأسرية، بل تدخل في إطارها بشكل ضمني.
ب ـ قصور القانون 05-08 في تأطير الوساطة الأسرية:
     لقد عمل المشرع المغربي على تنظيم الوساطة الاتفاقية بالقانون رقم 05-08، وقد جعل اللجوء لمختلف النزاعات التجارية والمدنية بما فيها الأسرية أمرا اختياريا يرجع أمر سلوكها لارادة الأطراف.
    غير أن مقتضيات هذا القانون تطرقت للوساطة الاتفاقية دون القضائية، وهو أمر جعل تطبيقها على النزاعات الأسرية أمرا صعبا، كما أن هذا القانون لم يشر هو الآخر للوساطة الأسرية بشكل صريح يزيل كل شك.
   مع ذلك، فليس في مقتضيات هذا القانون ما يمنع قانونا من إعمالها بالنزاعات الأسرية، لكن الواقع لا يثبت أية مساهمة للوساطة في مثل هذه النزاعات.[68]
    بالإضافة إلى أن القانون رقم 05-08 – باعتباره مؤسسة جديدة على منظومتنا التشريعية – قد رصد في فلسفته بادئ الأمر لتلبية احتياجات القضايا التجارية بالدرجة الأولى وليس المدنية.
ج ـ قصور قانون المحاماة:
        إن قانون المحاماة رقم 28-08 ينص في المادة 43 على أنه:” يحث المحامي موكله على فض النزاع عن طريق الصلح أو بواسطة الطرق البديلة الأخرى قبل اللجوء إلى القضاء”.
  من خلال هذا النص يتبين أنه يحث المحامي على اخبار موكله بفض النزاع من خلال الصلح والوسائل البديلة والتي من ضمنها الوساطة، لكن الملاحظ في هذا النص أن المشرع لم ينص على إلزامية هذا الاجراء، كما أنه لم يحدد أية مسؤولية للمحامي في حالة الامتناع عن ذلك.


   وبالتالي، فإن تطبيق هذه المادة يتم بشكل محتشم، وذلك راجع لعدة عوامل، منها عدم وعي المحامين وأطراف النزاع بأهميتها، ومن ذلك تخوف المحامي من عدم استكمال أتعابه كاملة لو تم الصلح، وغالبا ما لا ترى المحامي يقوم باخبار موكله بآفاق التسوية الودية للنزاع، بل يركز على آفاق وامكانيات تسوية النزاع عبر المسطرة القضائية.
    وتجدر الإشارة أن المحامي في بالتجربة الأمريكية يقوم بدور الوساطة بكل الدعاوي التي تقل قيمتها عن 15 ألف دولار، وفي القانون البريطاني يفرض على المحامين اللجوء إلى هذه الطرق، قبل التوجه إلى المحكمة، وأن يناقشوا مع زبنائهم الإمكانيات المتوفرة في الوساطة، وذلك تحت طائلة اعتباره مخلا بواجبه المهني في حالة اخلاله بهذا المقتضى، ولا يقبل القضاة ادعاء المحامين جهلهم للوساطة.[69]
ثانيا: الصعوبات الواقعية:
    لا تنحصر الصعوبات التي تعترض تطبيق الوساطة الأسرية في الصعوبات التشريعية، بل تمتد لصعوبات  أخرى على المستوى الواقعي، من قبيل ضرورة احترام خصوصية  المجتمع المغربي(أ)، وكذا ضعف انتشار ثقافة الحلول البديلة بالمجتمع (ب) وأيضا الامكانيات المادية للأسر (ج).
أ ـ خصوصية المجتمع المغربي:
    إن الحلول البديلة حالة فكرية أكثر منها صنف قضائي، وهي ليست بالشيء الجديد على ثقافتنا وأعرافنا، حيث كانت منذ القدم توظف في تسوية النزاعات، مما دفع البعض لوصفها بأنها “بضاعتنا ردت إلينا”[70]
     وإذا كانت جل التشريعات لم تنتبه لأهمية الوساطة الأسرية كآلية بديلة إلا مؤخرا، فإن مجتمعاتنا الإسلامية بصفة عامة، والمغرب بصفة خاصة كان ولا يزال يولي أهمية قصوى للصلح والوساطة والتحكيم في تسوية النزاعات الأسرية، وذلك انسجاما مع ثقافتنا الإسلامية الراسخة وفي تراثنا الحضاري ككل، مما نتج عن ذلك تراكم معرفي يهدف إلى جبر الضرر، وإصلاح ذات البين.
    رغم ذلك فإنه بسبب التطور والتغير في البنية الاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع المغربي، وخصوصا في الحواضر الكبرى ـ على عكس القرى ـ حيث بدأ الانسلاخ جليا عن مجموعة من الأعراف والتقاليد التي كانت تؤطر النزاع الأسري، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في عدد النزاعات لدى جل محاكم المملكة.[71]
      وعليه فمن أبرز الاعتبارات التي تطرح نفسها بحدة، هو طبيعة المجتمع المغربي المحافظ والثقافة السائدة في التعاطي مع النزاعات الأسرية على الخصوص، الشيء الذي يطرح معه التساؤل حول مدى استعداد الأسرة المغربية للقبول بوسيط أجنبي عن العائلة واطلاعه على مختلف خصوصياتها وأسرارها.[72]
    ومن جهة أخرى، إذا كانت الوساطة الأسرية في التجربة الغربية  ترتبط في الغالب بتسوية المسائل المتعلقة بآثار انتهاء العلاقة الزوجية سواء بعد الانفصال الجسماني، أو الطلاق، حيث يتم الاتفاق على مسائل مادية وكيفية تسيير الأموال المشتركة، وتغذية الأطفال ومصاريفهم وشؤون حضانتهم وبقاء العلاقات الودية بعد كل ذلك[73] إلا أن مفهوم الوساطة بهذا الشكل، والمعتمد أساسا في الدول الغربية لا ينطبق على الأسرة المغربية كأسرة مسلمة لها عادات وثقافة، وتقاليد خاصة، كما لا يتماشى مع الأساس والغاية التي خلقت من أجلها وأرادها الله لها، ولا تتوافق مع الغايات المنشودة من طرف المشرع في الحفاظ على كيانها واستقرارها وحماية أفرادها وكل ذلك في جو يضمن حماية المرأة، كرامة الرجل وحقوق الطفل.[74]
     ولأجل ذلك يجب خلق وساطة مغربية تتماشى والثقافة والمرجعية الإسلامية للمجتمع المغربي، حيث يجب تسخيرها في تعميق أواصر التسامح والصلح بين أفراد الأسرة والحفاظ على كيانها مجتمعة، وذلك بمحاولة الوسيط أو الوسطاء المساعدة على جبر ما تم كسره داخل العلاقة الأسرية[75] – فيما معناه اصلاح ذات البين – وهذا ليس بالأمر الهين، بل يتطلب هيئة للوساطة تتألف من مجموعة من المتخصصين في شتى المجالات: النفسية، و الاجتماعية، و الأسرية، فالوساطة التي يجب أن تكرس: هي توفيق يسعى إلى الصلح بين الأطراف المتنازعة، وهو فعل يحتاج إلى توضيح وملاءمة في ضوء حاجيات الأسرة المغربية، وبالنظر إلى نوعية المشاكل المطروحة اليوم.
ب ـ ضعف انتشار ثقافة الوسائل البديلة:
   إن من بين أهم الصعوبات التي تواجه تفعيل الوساطة الأسرية بالمجتمع المغربي تكمن في ضعف التعريف بهذه الآلية، وهو ما يقتضي من مختلف الفاعلين في الحقل القانوني والقضائي والجامعي وفعاليات المجتمع المدني المهتمة بمجال الأسرة والطفولة[76]، إيلاء جهد أكثر في تعريف المجتمع بهذه المؤسسة الجديدة، وكذا انخراط وسائل الاعلام بكل أصنافها – المقروءة والمسموعة والمرئية – بما توفره من مزايا، بشكل يساهم في استيعاب الأطراف المتنازعة لأهمية هذه العدالة اللينة والسريعة والفعالة.
    فغياب الوعي الاجتماعي بأهمية الوساطة كوسيلة بديلة لحل النزاعات، وما توفره من مزايا ومحفزات تجعل اللجوء إليها أمرا صعبا وناذرا من طرف المتقاضين.[77]
ج ـ تكاليف الوساطة:
      تعد المصاريف القضائية أحد أهم سلبيات القضاء الرسمي، سواء ما تعلق منها بالرسوم القضائية وأتعاب المحامين وأجور باقي مساعدي القضاء من خبراء ومفوضين قضائيين ومترجمين، والتي ما فتئت تعرف ارتفاعا مستمرا، مما يجعلها عبئا ثقيلا على المتقاضين.[78]
     وعلى اعتبار أن مصاريف الوساطة بالتجارب الغربية ليست مجانية وتكاليفها مكلفة للأطراف، سواء انتهت عملية الوساطة بالنجاح أو الفشل، وأداؤها يكون على حسب مقابل مادي لكل ساعة يتم استغراقها في عملية الوساطة، مما من شأنه أن يدفعهم لتفضيل المساطر القضائية، فينبغي مراعاة هذا الجانب بغية التحفيز على ولوج مؤسسة الوساطة، وذلك بجعلها مجانية قدر الإمكان، وبأثمنة رمزية حتى يتم تشجيع المتقاضين على اللجوء إليها، والاستفادة من مزاياها.

الفقرة الثانية: سبل تجاوز المعيقات التي تعترض تفعيل الوساطة بالمغرب


      في إطار مسايرة التوجه العالمي الذي ينحو نحو تسهيل الولوج إلى العدالة، والأخذ بنظام الوسائل البديلة بشكل عام والوساطة بشكل خاص، حاول المغرب اعتماد هذه الآليات البديلة في منظومته القانونية والقضائية، إلا أن بعض الصعوبات حالت دون تفعيل الوساطة في المجال الأسري، هذا الاخير الذي يتسم بنوع من الخصوصية، وذلك رغم المجهودات التي بذلت لهذه الغاية.
   الأمر الذي يقتضي ملائمة هذه الآلية مع الخصوصية الثقافية للمغرب بهدف الخروج بوساطة أسرية مغربية، وذلك من خلال تقنين هذه الآلية (أولا) ثم مأسستها بالمجتمع (ثانيا).
أولا: تقنين الوساطة الأسرية
     إن تفعيل نظام الوساطة الأسرية بالمغرب يقتضي تدخل المشرع المغربي وادماجها بمدونة الأسرة، وكذا اصدار نص قانوني ينظمها، ولمعالجة آليات تفعيل الوساطة الأسرية على المستوى التشريعي سأتطرق لتنظيم  الوساطة الأسرية (أ) ثم أتطرق لطبيعتها (ب) ثم شروط الوسيط (ج).
أـ تنظيم الوساطة الأسرية:
     تعتبر مدونة الأسرة أحد الاصلاحات العميقة في المجتمع المغربي منذ الاستقلال، لكونها تنطلق من فلسفة إنسانية تؤسس لبناء مجتمع حديث ديموقراطي بمقاربة شمولية ذات بعد سياسي وحقوقي وتنموي، وتهدف إلى إقرار السلم الاجتماعي في الخلية الأسرية.[79]
    ويعد الصلح الأسري من أهم الطرق البديلة التي أولاها المشرع عناية خاصة، إلا أنه لم يلاقي نجاحا حقيقيا على صعيد الواقع العملي، نتيجة لعدة أسباب سبقت الإشارة إليها، من هنا جاء التفكير في آليات أخرى تساعد الأسرة على استرداد دورها في بناء المجتمع، فبرزت الوساطة الأسرية كوسيلة بديلة وفعالة، وقد بذلت وزارة العدل عدة جهود لادماج هذه الآلية بالمنظومة التشريعية والقضائية لكن لم يتم تفعيلها إلى الآن.
    ولتفعيل الوساطة الأسرية بالمغرب، ينبغي تحقيق أولى رهاناتها وهو تقنينها وإدماجها بمدونة الأسرة ضمن الآليات المرصدة للصلح، ثم التنصيص عليها بشكل صريح فيما لا يدع مجالا لأي شك أو لبس.
    إلى جانب ذلك، يقتضي تفعيل الوساطة الأسرية وضع قانون تنظيمي لهذه الأخيرة، يحدد مفهومها وشروطها ومدتها، ومهام الوسيط، ومسؤوليته، وغير ذلك.


ب ـ طبيعة الوساطة الأسرية:
     إن الوساطة الأسرية كآلية حديثة استرعت اهتمام مختلف دول العالم، هادفة من ذلك تحديث أنظمتها القانونية والقضائية وتطويرها لتواكب التطورات في مجال العدالة، والمغرب بدوره يهدف إلى اعتماد هذه الآلية في منظومته القانونية والقضائية، وذلك بغية إيجاد حلول فعالة للخلافات الأسرية، والتخفيف من كثرة القضايا التي تثقل كاهل القضاء.
     وإن كان الأمر كذلك، فإن السؤال المطروح بهذا الخصوص هو ما نوع الوساطة التي يمكن تطبيقها بالمغرب؟
    إن الجواب على هذا السؤال يتجاذبه اتجاهان، الأول يرى اعتماد الوساطة الاتفاقية، معتبرا أن الوساطة سميت بديلة لابتعادها عن الإجراءات القضائية وبطئها[80] ولكون العدالة التصالحية الودية تكون بعيدا عن مساطر القضاء الرسمي، والثاني يرى اعتماد الوساطة الأسرية القضائية التي تتم تحت إشراف القضاء، ويبرر هذا التوجه موقفه بأن من شأن ذلك وضع أرضية صلبة لنجاح الوساطة الأسرية، وذلك في ظل غياب وعي مجتمعي بالوسائل البديلة، وتعلق الأفراد بسلطة الدولة كمصدر أساسي ووحيد للعدالة.[81]
   وفي نظري، أرى أنه ينبغي اعتماد الوساطة الأسرية القضائية كمرحلة أولى، بحيث يتم إحالة النزاع عليها بصفة إجبارية، وأن يكون ما يتعلق بتحديد لوائح الوسطاء، وكذا تكاليف عملية الوساطة تحت إشراف القضاء.
ج ـ شروط الوسيط:
     إذا كان المشرع قد أغفل الاشارة لشروط ممارسة الوساطة الاتفاقية بقانون المسطرة المدنية، فإنه ينبغي تلافي هذا الأمر بالنسبة للوساطة الأسرية باعتباره محور عملية الوساطة وعنصرها الأساسي، وفي محاولة لرسم خطوط عريضة بهذا الخصوص، أشير لبعضها كما يلي:
ـ  الاستقلالية:
    إن نجاح الوسيط في أداء مهمته رهين بمدى استقلاليته عن أطراف النزاع وقدرته على ضمان حياده وعدم تحيزه لصالح أحدهم طيلة مراحل عملية الوساطة، واستقلال الوسيط يعني عدم وجود أي صلة له بموضوع النزاع أو بأحد الأطراف أو من ينوب عنهم، وألا تكون له أي مصلحة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة في النزاع المعروض عليه.[82] ومن لوازم استقلالية الوسيط أيضا، عدم تأثره بأي توجيهات من قبل الجهات القضائية.
ـ الخبرة والكفاءة:
   ليس من السهل على كل شخص ممارسة الوساطة، فإن كان الأمر لا يطرح أي صعوبة في النزاعات البسيطة ذات الآثار المحدودة، فإنه وعلى العكس تماما من ذلك تحتاج ممارسة الوساطة إلى أشخاص ذوو خبرات ومهارات وكفاءات متميزة في تسوية بعض النزاعات.[83] ومن ضمنها النزاعات الأسرية، حيث إن هذه الأخيرة يتجاذبها ما هو قانوني وما هو اجتماعي، وما هو انساني، لذا على الوسيط أن يراعي خصوصية الأسرة وما تتطلبه من معاملة خاصة، من أجل الحفاظ على استقرارها وتفادي تفككها وانهيارها
   وعلى ضوء ذلك تتجلى خبرات الوسيط وكفاءته في عدة صور أقتصر فيها على المؤهلات العلمية فقط.
   ويمكن إجمالها فيما يلي:

التمكن من قواعد اللغة، بحيث ينبغي أن يكون قادرا على الكتابة والقراءة التي تفي بالغرض أثناء التوسط والمناقشة مع الأطراف، أو أثناء تحرير اتفاق الوساطة.

الالمام بالجانب القانوني: بأن تكون له ثقافة قانونية، ولا يفترض أن يكون متخصصا في المجال القانوني، وذلك حتى يعرف النزاعات التي يمكنه النظر فيها، وأيضا لكي لا يتم التوصل إلى اتفاقات باطلة قانونا. [84]

التكوين والتجربة في مجال حل النزاعات وخاصة الوساطة: وذلك بأن يكون على دراية بالوسائل البديلة لحل النزاعات عامة وفنون الوساطة وتدبير النزاعات، من خلال تلقي تكوين عملي بهذا الميدان، أو تكوين بالمساعدة الاجتماعية، أو الحصول على دبلوم جامعي بالوساطة أوالوسائل البديلة لحل النزاعات، تماما كما تم في التجربة الفرنسية حيث أحدث دبلوم الدولة للوسيط الأسري، أو بالنسبة للتجربة الأردنية في الارشاد الأسري، حيث يعتبر الارشاد الأسري من المهن الصحية، وممارستها تتطلب ترخيصا بذلك وقبل ممارستها تفتح مباراة لانتقاء الوسطاء.
ـ الالتزام بالسرية والنزاهة:
    نص المشرع في قانون 05-08 على ضرورة التزام الوسيط بالسر المهني بالنسبة إلى الأغيار، لكنه لم ينص على إمكانية تجريح الوسيط في حالة وجود ما يبرر ذلك، وكذا في حالة عدم تحليه بالنزاهة، من خلال محاباته لأحد الأطراف، أو تدليسه أو تعصبه لطرف دون الآخر.
    يضاف إلى ما سبق، ضرورة انعدام السوابق القضائية، وألا يكون الوسيط محالا على عقوبة تأديبية أو إدارية.
    
الفقرة الثانية: مأسسة الوساطة الأسرية

إن إنجاح الوساطة وتفعيلها على أرض الواقع لا يتوقف على الأخذ بهذا النظام على المستوى التشريعي فحسب، بل الأمر يقتضي اتخاذ بعض الخطوات العملية، من قبيل خلق مؤسسات خاصة بالوساطة الأسرية (أولا) والاستعانة بمؤسسات هي موجودة فعلا (ثانيا).
أولا: خلق مؤسسات الوساطة الأسرية
   تهدف الوساطة الأسرية إلى محاولة التوفيق بين الأطراف المتنازعة، بغية الوصول إلى حل ودي تصالحي من صنعهم بمساعدة وسيط أسري، والحديث عن الوساطة الأسرية كوسيلة بديلة لتسوية النزاعات يقتضي إيجاد مؤسسة تتولى القيام بهذه المهمة.
    ومن يقول بنظام الوساطة الأسرية فهو يقول بأحد الاتجاهين، وساطة قضائية تتم داخل مرفق القضاء، أو وساطة تتم خارج أسورة القضاء.
     بالنسبة للتصور الأول، يرى أنه ينبغي إحداث لجنة بأقسام القضاء الأسري، تسند مهمة رئاستها لقاضي ذو خبرة وتجربة في القضايا الأسرية، وينبغي أن يتفرغ لعمله بهذه الغرفة دون أن تسند إليه بأي قسم آخر مهمة إضافية، حيث إن إسناد عدة مهام للقاضي بالموازاة مع مهامه الصلحية هي السبب الرئيسي في عرقلة عمله ومساعيه الصلحية، وإلى جانب الرئيس يجب أن تتكون لجنة الوساطة والصلح من عضوين آخرين ذووا خبرة في مجال التخصصات النفسية والثقافية والاجتماعية.

   ويذهب توجه آخر إلى أنه ينبغي إيجاد “هيئة للوسطاء” على غرار ما هو معمول به في الدول الغربية السباقة إلى اعتماد هذه الآلية، حيث قطعت هذه الدول أشواطا متقدمة في وضع الأسس المتينة والتطوير والتنقيح المستمرين لترسيخ الدور المؤسسي للوساطة عامة، والوساطة الأسرية خاصة، “وهيئة الوسطاء” هذه باعتبارها تتكون من “خبراء أصحاب مهنة حرة”، يجب أن يكون لهم جدول خاص ضمن لائحة الخبراء، وقد يتكون هؤلاء من رجال قانون مستقلين، ومتقاعدين من القضاة، ومساعدي القضاء، وكل من أبان عن كفاءة ومقدرة في هذا الميدان، وبهذا الصدد فإن إحداث مراكز ودعمها بالموارد المالية والبشرية اللازمة، يبقى خيارا لا غنى عنه من أجل نشر ثقافة الحلول البديلة وإيجاد حلول ودية للخلافات الأسرية التي يمكن أن تحال على هذه المراكز من طرف القاضي، أو يتم اللجوء إليها تلقائيا.


    يبقى أن أشير أنه لكل تصور من هذه الآراء وجاهته، غير أن اعمال الوساطة القضائية بالمحكمة وعلى غرار ما أبانت عنه التجربة الحالية للصلح من محدودية التطبيق، في رأيي من شأن ذلك استمرار بعض الاشكاليات، من قبيل جو المحكمة الذي لا يتناسب ولا يساعد في عملية الاصلاح، مما من شأنه أن يخلق توترا لدى المتنازعين، كما أن دخول النزاع للمحكمة – مع استحضار تصورات الأطراف المسبقة عن القضاء – يزيد من تعميق النزاع أكثر، إضافة لضعف الإمكانيات البشرية للقضاة الذين يمكن اسناد هذه المهمة إليهم.


   أما التوجه الثاني، فله وجاهته أيضا، وطبعا تواجهه هو الآخر بعض الصعوبات الواقعية، كعدم وجود مؤسسة تشرف على تكوين الوسطاء، اللهم بعض التخصصات الجامعية، وضعف انتشار الوسائل البديلة بالمجتمع، مع ذلك يبقى في رأيي هذا المسلك سبيلا آخر لتطبيق الوساطة الأسرية، كونه سيخفف عن القضاء عبئا ثقيلا ويتركه يتفرغ للنزاعات المهمة، فضلا على أنه سيمكن الوسيط الذي يتدخل لحل النزاع من الوقت الكافي لعقد جلسات الوساطة ومناقشة أسباب الخلاف.

وعن مراكز الوساطة من الممكن أن تنشأ جهويا بالدوائر الترابية لكل محكمة ابتدائية، ويشرف عليها في الرقابة والتأديب والتعيين جهاز مركزي، يكلف بوضع ميثاق توافقي للوساطة الأسرية، وتناط له كذلك صلاحية إعداد التقارير السنوية للوساطة الأسرية..


   ويمكن أيضا بالموازاة مع ذلك إحداث مركز يعمل على القيام بمهمة تكوين الوسطاء.
      ولما لا دراسة إمكانية استفادة المقبلين على الزواج من تكوينات من خلال خلق مراكز للارشاد الأسري،  تتولى تلقينهم التكوينات اللازمة في المجالات النفسية والاجتماعية وفنون تسوية النزاعات.[87] وإلزام كل مواطن مقبل على الزواج بالادلاء بشهادة التكوين أثناء إبرام عقد الزواج من هذه المراكز، ومن الممكن أيضا  إشراك المجالس العلمية في هذا السبيل، وذلك بلا شك سيسهم في تقليص نسب المشاكل الزوجية منذ البذرة الأولى لتشكل الأسرة، ويسهم كذلك في تقليص حالات الطلاق التي ظلت تعرف ارتفاعا مهولا بالمجتمع في السنوات الأخيرة.

ب ـ مؤسسات المجتمع المدني:
 ـ الجمعيات:
     تعـــــــبر الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني عن العمل التطوعي، والتكافل الاجتماعي، وذلك بتوفيرها مراكز للاستماع والاستقبال لمساعدة الأسر التي تعيش وضعية نزاع ولا تفاهم، من خلال مبادرات ومحاولات الصلح والإرشاد التي تقوم بها. وبخصوص دورها أو مجهودتها في إعمال الوساطة الأسرية فإنه لازال محتشما. فقد اتخذت بعضها عدة مبادرات في هذا المجال إلا أنها باءت بالفشل في أكثرها نظرا لقلة الأطر والدعم، وعدم وجود إطار قانوني ينظم الوساطة، بالإضافة إلى عدم اقتناع الأطراف بها لكونها لازالت مجهولة لدى المجتمع المغربي.
   ونظرا لنشاطها بهذا الميدان وتسويتها الاجتماعية للنزاعات الأسرية، من الممكن منحها شهادة الكفاءة لممارسة الوساطة الأسرية واحالة النزاعات من الجهات القضائية المختصة عليها، ومن ثم تسويتها بشكل ودي، والتوصل إلى حلول مرضية لكلا الطرفين.


ـ المجالس العلمية:
    لقد عملت وزارة العدل على اصدار منشور يخص التنسيق بين أقسام قضاء الأسرة والمجالس العلمية لما تمتلكه من مؤهلات علمية في تقريب ذات البين بين الزوجين ورأب الصدع الناشب بينهما، ولم شمل أسرة كاد أن ينفرط، لكن واجهت هذا الأمر بعض الصعوبات القانونية على الخصوص، من قيبل عدم تحديد المنشور الوزاري لطريقة هذا التعاون، وكذا كون القانون المنظم للمجالس العلمية يلزمها بضرورة التقيد بالمذهب المالكي دون بقية المذاهب…
     ورغم ذلك فالمجالس العلمية تبذل مجهودات مهمة في اصلاح ذات البين بشكل ودي خارج إطار القضاء، كمثال على ذلك المجلس العلمي بالرباط الذي يقدم المشورة والنصح للأسر التي يتهددها التفكك الأسري وفق مقاربة وقائية، كما يعمل على برمجة دورات تدريبية موجهة للمقبلين على الزواج يؤطرها علماء دين ومتخصصون في المجالين النفسي والاجتماعي.[88]
    الأمر الذي يقتضي مواكبة المجهودات المبذولة لاشراك المجالس العلمية في اصلاح ذات البين، وتذليل الصعوبات التي تعترض ذلك، ولما لا إحلالها محل مجلس العائلة ضمن الأجهزة المرصدة لاصلاح ذات البين.
 
      لقد حققت الوساطة الأسرية نتائج إيجابية ومحفزة في ظل الأنظمة القانونية والقضائية الأجنبية، ونجاح الوساطة الأسرية بالمغرب في ظل ما أبان عنه نظام الصلح القضائي من محدودية، رهين بتظافر جهود مختلف الفاعلين في المجال القانوني والقضائي، وكذا فعاليات المجتمع المدني في إشاعة ثقافة الوساطة، وبلورة وساطة أسرية تسعى إلى خلق ثقافة الحوار داخل الأسر، وتحافظ على التماسك الأسري وتعمل على استرجاع الأدوار الحيوية للأسرة في بناء المجتمع.
   ومما لا شك فيه أن النزاعات الأسرية كلما كان حلها بعيدا عن القضاء، ومحصورة بين الزوجين وطرف ثالث يعمل كل ما في وسعه لاصلاح ذات البين، واسداء النصح للمتخاصمين في مناخ اجتماعي، كلما أمكن علاجها ووضع حل لها بسهولة.
 
 
 
[1] ابن منظور، لسان العرب، باب الواو، ج/52، تحقيق عبد الله علي، محمد أحمد الشاذلي، دار المعارف القاهرة، ص: 2485.
[2] مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، تحقيق محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، ط/8، 2005، ص: 698. 
[3] أحمد محمد بن علي المقري الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، المكتبة العلمية، بيروت، ج/2، ص: 659.
[4] مداخلة ذ محمد سلام في الندوة العلمية من طرف كلية الحقوق بفاس، بشراكة مع وزرة العدل وهيئة المحامين بفاس، يومي 4 و5 أبريل 2003، منشور بالعدد/2، من منشورات نشر المعلومة القانونية والقضائية، مطبعة فضالة المحمدية، توزيع دار القلم الرابط، ص: 83.
[5] طلعت حسن القيسي، مهارات تطبيقية في حل النزاع، الجزء الأول، دون مكان نشر، دون تاريخ نشر، ط:1، ص:117.
[6]  نور الدين الكامل، الوساطة الأسرية دراسة فقهية قانونية_ رسالة لنيل شهادة الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية بفاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، 2016/2017، ص: 7.
[7] أحمد إد الفقيه، قراءة في مشروع قانون الوساطة بالمغرب، أشغال الندوة الجهوية لحادية عشر التي نظمها المجلس الأعلى يومي 1 و2 نونبر 2007 بقصر المؤتمرات بالعيون، تحت عنوان الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل المنازعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، منشورات المجلس الأعلى، ص: 460.
[8] عثمان أخديم، الوسائل البديلة لتسوية النزاعات الأسرية ( الوساطة نموذجا) رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد الملك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية: 2009/ 2010، ص: 39.
[9] الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية.
[10] ليلي بنجلون، التحكيم التجاري في القانون المغربي والتشريعات العربية، مداخلة علمية في المادة التجارية حول: الاجتهاد القضائي في المادة التجارية والضمانات القانونية للاستثمار، منشور في دفاتر المجلس الأعلى، العدد/2، 2002، ص: 400.
[11] نصت الفقرة الثانية من الفصل 312 من قانون المسطرة المدنية: ” يراد في هذا الباب بالهيئة التحكيمية: “المحكم المنفرد أو مجموعة من المحكمين”.
[12]  نص الفصل 58-327 من قانون 08-05 على أنه: “يجب أن يبرم دوما اتفاق الوساطة كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام المحكمة”.
[13]  محمد أطويف، الوساطة الاتفاقية على ضوء القانون رقم 08-05، مقال منشور بمجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث، العدد 3، طبعة 2013 ص: 20.
[14] عثمان أخديم، م س، ص: 34.
[15] بنسالم أوديجا، الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض النزاعات، منشورات مجلة القضاء المدني، سلسلة “دراسات وأبحاث” العدد/3، مطبعة دار القلم، الرباط، 2009، ص: 84.
[16] محمد المكي، م س، ص: 32.
[17] نص الفصل 66-327 من القانون رقم: 08-05.
[18] محمد برادة غزيول، تقنيات الوساطة لتسوية النزاعات دون اللجوء إلى القضاء، ط1، 2015، الدار العالمية للكتاب والنشر، الدار البيضاء، ص: 156.
[19] عثمان أخديم، م س، ص: 46.
[20] محمد برادة غزيول، م س، ص: 150.
[21] خيري عبد الفتاح البيتاتوني، الوساطة كوسيلة لفض النزاعات المدنية والتجارية، دار النهضة العربية، 2012، القاهرة، ص: 26.
[22]   ينص الفصل 65-327 من القانون رقم: 08-05 أنه: ” يحدد الأطراف مدة مهمة الوسيط في أول الأمر دون أن تتجاوز أجل ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل الوسيط مهمته غير أن للأطراف تمديد الأجل المذكور باتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة لإبرام اتفاق الوساطة”.
[23] محمد برادة غزيول، م س، ص: 125.
[24] عثمان أخديم، م س، ص: 101.
[25] نفسه، ص: 258.
[26]  Pierre chevalier (la médiation familiale) un mode alternatif de règlement des litiges familiale diplôme d’étude approfondie UFR, droit et science politique, université de bourgogne, année université 2005/2006, p: 39.
[27] عبد الرحيم صابر، و مصطفى كاك: الوساطة و آليات تدبير النزاع، مقال منشور ” بدليل مدونة الأسرة و دور الوساطة” الصادر عن رابطة التربية على حقوق الإنسان ، في إطار برنامج التعاون المشترك مع المعهد العالي للقضاء ووزارة العدل، ص: 96.
[28] نفسه، ص: 100.
[29] محمد المكي، م س، ص: 260.
[30] عبد العزيز الجطيوي، مقال بعنوان: النظام القانوني للوساطة الأسرية بالتجربة الفرنسية، منشور على الرابط: www.talibdroit.com  تاريخ الزيارة: 4 ماي 2020.
[31] ساجية بوزنة، الوساطة في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري، رسالة لنيل الماستر، جامعة عبد الرحمان ميرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2011/2012. ص:133.
[32]
[33] نور الدين الكامل، الوساطة الأسرية دراسة فقهية قانونية_ رسالة لنيل شهادة الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية بفاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، 2016/2017، ص:80.
[34] عثمان أخديم، م س، ص: 111.
[35] نفسه، ص: 113.
[36] قانون رقم 10 لسنة 2004، الخاص بانشاء محاكم الأسرة في مصر، صادر في جريدة الرسمية عدد 12 تابع أ، في 18/03/2004.
[37] نور الدين الكامل، م س، ص: 100.
[38] الأستاذة أماني برهان الدين لوبيس، جهاز الوساطة الأسرية بإندونيسيا، أشغال المؤتمر الدولي الذي عقدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية حول موضوع: الوساطة الأسرية ودورها في الاستقرار الأسري، أجريت أيام 7ـ8 دجنبر 2015، بقصر المؤتمرات بالصخيرات، مطبعة أكدال الرباط، 2016، ص: 166.
[39] نفسه، ص: 168.
[40] نفسه، ص: 172.
[41] الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية، نقح بالقانون عدد 50 لسنة 2010 المؤرخ في 1 نونبر 2010.
[42] مليكة الورغي، مداخلة بنوان: الوساطة كوسيلة لحل النزاعات العائلية، أشغال المؤتمر الدولي الذي عقدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، م س، ص: 126.
[43] مليكة الورغي، م س، 127.
[44] نور الدين الكامل، م س، ص: 101
[45] عبد الحفيظ ميلاط، الوساطة الأسرية في الجزائر بين الموروث الثقافي والواقع والآفاق، أشغال المؤتمر الدولي الذي عقدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، م س، ص: 131.
[46] نفسه، ص: 138.
[47] نفسه، ص: 139.
[48] بنسالم أوديجا، م س، ص: 79.
[49] المجلس الأعلى الغرفة الإجتماعية قرار عدد 164 الصادر بتاريخ 19_04_1980ملف عدد 81153 (غير منشور) ذ.عبد المجيد غميجة موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية _منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية العدد 1 مارس 2007، ص: 229 – 230.
[50] عبد العزيز حضري، القانون القضائي الخاص، مطبعة الجسور، وجدة، ط 2002، ص: 96.
[51] السعدية مجيدي، الصلح في مسطرة التطليق للشقاق، مجلة الحقوق المغربية للوسائل الودية لحل المنازعات الوساطة-التحكيم-الصلح، العدد الرابع، ماي/2012، ص: 42
[52] محمد سلام، أهمية الصلح في النظام القضائي المغربي والمقارن، مجلة القصر، عدد 4، يناير 2003، ص: 66.
[53] بن سالم أوديجا، م س، ص: 80.
[54] بنسالم أوديجا، م س، ص: 80.
[55] ادريس الفاخوري، واقع الصلح في العمل القضائي الأسري، مقال منشور بموقع: www.cieersjo.com  تمت زيارته بتاريخ: 17 ماي 2020.
[56] الحسن بوقين، أسباب عدم نجاح مسطرة الصلح في نظامنا القضائي المغربي والوسائل الكفيلة بتفعيل هذه المسطرة أمام القضاء المدني، مجلة القانون والقضاء، عدد 179، 2004، ص: 61.
[57] محمد الأزهر، شرح مدونة الأسرة، الطبعة الثامنة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 2017، ص: 178.

[58] تنص المادة 400 من مدونة الاسرة أنه ” كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه

تحقق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.
[59] عثمان أخديم، م س، ص: 124.
[60] ادريس الفاخوري، واقع الصلح في العمل القضائي الأسري، م س.
[61] أحدث مجلس العائلة بمقتضى مرسوم رقم 2.04.88 صادر في 14 يونيو 2004، بشأن تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5223 بتاريخ 21 يونيو 2004.
[62] سميرة خزرون، الصلح الأسري بين واقع النص وسؤال الفعالية، مقال منشور بموقع مغرب القانون على الرابط: www.maroclaw.com  تمت زيارته بتاريخ: 20/05/2020.
[63] عثمان أخديم، م س، ص: 126.
[64] ربيعة بنغازي، أحكام التطليق للضرر من خلال الاجتهاد القضائي المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية أكدال، السنة الجامعية: 2000ـ2001، ص: 334.
[65] نور الدين الكامل، م س، ص: 107.
[66] نور الدين الكامل، م س، ص: 112.
[67] نفسه، ص: 123.
[68] محمد المكي، م س، ص: 262,.
[69] بنسالم أوديجا، م س، ص: 184.
[70] كلمة السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى، محكمة النقض حاليا، د. ادريس الضحاك في الندوة الجهوية التي نظمها المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه، تحت عنوان الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، محمد برادة غزيول، م س، ص: 19.
[71] محمد المكي، م س، ص: 262,
[72] نفسه، ص: 261.
[73] الحسن بويقين، مدى إمكانية تطبيق نظام الوساطة بالمغرب، م س، ص: 23.
[75] عثمان أخديم، م س، ص: 170.
[76] ونستحضر بهذا الخصوص دور جمعية الارتقاء بالوساطة الاسرية بفرنسا (apmf) التي يعود لها الفضل في تحقيق الكثير من المنجزات في تفعيل الوساطة الاسرية.
[77] عثمان أخديم، م س، ص: 164.
[78] عبد العزيز الجطيوي، فعالية الوساطة في تسوية النزاعات البنكية، رسالة لنيل الماستر، كلية الشريعة والقانون، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، السنة الجامعية: 2019/2020، ص: 28.
[79] عبد الخالق أحمدون،
[80] سعيد الغلاوي، الوسائل البديلة لتسوية المنازعات الأسرية، دراسة مقارنة، رسالة لنيل الماستر، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، السنة الجامعية: 2013/2014، ص: 174.
[81] نور الدين الكامل، م س، ص: 135.
[82] العابد لعمراني الميلودي، الوساطة الجنائية في التشريع الجنائي الفرنسي والتونسي نموذجا، مقال منشور بالمجلة المغربية للوساطة والتحكيم، العدد: 6، دجنبر 2012، ص: 47.
[83] محمد المكي، م س، ص: 99.
[84] نفسه، ص: 101.
[85] نور الدين لكامل، م س، ص: 136. بتصرف
[86] عثمان أخديم، م س، ص: 160 ـ 174.
[87] من توصيات مؤتمر الوساطة الأسرية ودورها في للاستقرار الأسري، م س، ص: 258.
[88] سناء القويطي، المجالس العلمية تفتح أحضانها للأسر المهددة بالتصدع، مقال منشور بموقع مغرس على الرابط، www.maghress.com تمت زيارته بتاريخ: 29 ماي 2020.

4.2/5 - (4 أصوات)
شارك مع أصدقائك